هناك أكبر من قاتل المنصورة

الدار البيضاء اليوم  -

هناك أكبر من قاتل المنصورة

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

الطالب الذي ذبح زميلته في وسط الشارع، ووضح النهار في مدينة المنصورة، لأنها صدته وحجبت حسابه على منصة تواصل اجتماعية، رغم بشاعتها، تظل جريمة فردية أخرى، يُرتكب مثلها في معظم مدن العالم. ومع أن العيون تسمرت على الفيديو الذي صور جريمة قاتل طالبة المنصورة، لكن الجريمة الأكبر، بلا سكين ولا دم، تلك التي استهدفت المجتمع، هو ما قاله الدكتور مبروك عطية، وأمثاله، الذين يبررون للقاتل ويحرضون المجتمع على الضحية.
«المرأة والفتاة تتحجب عشان تعيش، وتلبس واسع عشان متغريش، لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك بقفة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، عشان وقتها هيشوفك اللي ريقه بيجري ويقتلك».
دفاع صريح عن القاتل وتحريض على القتل، وأن كل من قتل فتاة في الطريق العام لأنه لم يعجبه ملبسها أو وظيفتها ليست جريمة، بل المرأة هي المجرمة. لماذا التحريض ودم الفتاة لم يجف بعد؟ المتطرفون لا يتوقفون عن محاولاتهم استعادة قيادة المجتمع. هذا ما نتحدث عنه من سنوات، أن هذه الجماعة فكرية فاشية، مهما ظهرت بملابس حديثة، وتحدثت بلغات عالمية، وفتحت مكاتبها في لندن وواشنطن، وحصلت على مقاعد برلمانية، وكتبت في الدوريات الفكرية الرفيعة، وتحدثت عن حقوق الإنسان في الصحف الكبرى، وأسست لنفسها منظمات دولية للعمل المجتمعي، لا تعدو في واقع الأمر جماعة دينية متطرفة، تسعى منذ عقود للسيطرة على المجتمعات الإسلامية ومجتمعات المسلمين في المهاجر. الدكتور عطية نموذج محلي، درّس في جامعات، وخرّج أجيالاً، ووقف أمام محافل دولية ببدلة وكرافتة كأي مواطن من العالم الحديث، وله حسابات على «اليوتيوب» و«فيسبوك» وغيرهما. الحقيقة أن المظهر المتمدن، واللغة العلمية، والشهادة العالية لا تجعل عطية يختلف حقاً عن شيوخ تورا بورا والتنظيمات الإرهابية الأخرى، الذين إن لم يدعوا إلى العنف برروه وزخروفه ونسبوه إلى أركان الدين.
شاب قتل فتاة في الشارع أمام الملأ، وصور المارة المصدومون جريمته، فأصبحت حدثاً يتجاوز المنصورة ومصر، لأن الشيخ دخل ليعلن ويعظ الناس، أنها عملية قتل مبررة. هل ذبح فتاة، لأنها لم تغطِ شعرها، أمر جائز؟ بمثل هذا الحديث الديني الخطير نقل الشيخ عطية القضية من مستوى جريمة في شارع محلي في مدينة تبعد 120 كيلومتراً شمال القاهرة، إلى مستوى آخر، إلى جريمة فكرية، إلى قضية دينية تعيد المجتمع، ليس أهل المنصورة وحدهم، بل العالم الإسلامي إلى نقاش الحلال والحرام، وحق الفرد في مد يده، لا الدولة ومؤسساتها، في تطبيق العدالة الجنائية والأخلاقية.
يعود تيار إرهاب المجتمع بالعزف على آلام الناس وأحلامهم. وقد انخرط في النقاش الآلاف بالتعليقات المليئة بالتحريض ضد النساء في عموم دول المنطقة. وبعد أن رمى الدكتور المتطرف الحجر في المياه شبه الراكدة، أعلن أنه سيسكت وقد ينسحب ويغلق دكانه على اليوتيوب، وهذا قد يكون درسه الديني الأخير. لا يخفى على «الداعية» أن حديثه أخطر من الرصاصة على المجتمع الإسلامي، عندما تطلق. يكفي أن يذيعه مرة وسط اللغط ويترك الآلاف تردد كلام «الداعية الشيخ أستاذ الجامعة». بفتواه المصورة نصّب نفسه قاضياً، وأدان الضحية، وجعلها موضوعاً عاماً يقسم المجتمع الذي يصارع للخروج من دائرة التطرف والعنف، منذ تضييق الخناق فكرياً على دعاة «القاعدة» و«داعش» و«الإخوان». وليس صحيحاً أن الخلاف مع هذه الجماعات، بما فيها «الإخوان المسلمون»، هو ضد سعيهم للحكم فقط، وحتى لو تراجعوا عن طموحهم السياسي، وهادنوا الحكومات العربية حالياً، فإن أذاهم أعظم على المجتمع لأنهم لن يتوقفوا عن محاولاتهم إدارة تفاصيله الحياتية، دينياً واجتماعياً واقتصادياً.
الإسلاميون المسيسون، ولا أقول المسلمين، بل الذين يصرون إلى هذا اليوم على توجيه الرأي العام نحو التشدد، شركاء في نشر العنف في الشوارع. في الماضي القريب، كانوا يوجهون الشباب نحو ساحات الحرب والمعسكرات الإرهابية. اليوم بعد مطاردتهم أمنياً يخصصون معظم نشاطهم «للتوعية المجتمعية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هناك أكبر من قاتل المنصورة هناك أكبر من قاتل المنصورة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca