أخلاقيات العمل السياسي

الدار البيضاء اليوم  -

أخلاقيات العمل السياسي

عبد العالي حامي الدين

الدعوة إلى اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي، كانت من أقوى العبارات الواردة في الخطاب الملكي لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة.

هي دعوة تستبطن الحاجة الملحة لتأهيل الفاعل الحزبي ليساهم بدوره في تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات من جهة، وليكون في مستوى التحديات المطروحة على بلد يحاول اللحاق بالدول الصاعدة..

لكنها قبل ذلك تعبير عن رؤية فلسفية عميقة تؤمن بتلازم العمل السياسي الحقيقي بالمرجعية الأخلاقية العميقة..

الخطابات الملكية الأخيرة أصبحت مثيرة لانتباه جميع المراقبين المهتمين بتحليل الخطاب، خاصة وأن الاهتمام بالمغرب وبنموذجه السياسي أصبح متزايدا منذ نجاحه في تجاوز استحقاق «الربيع العربي» بشكل مختلف. ويوما عن يوم، يظهر بالفعل أن المغرب بات يمثل «استثناءً» في المنطقة العربية بفضل رسوخ تقاليد الدولة منذ عدة قرون، ورسوخ المؤسسة الملكية كمؤسسة ضامنة للحقوق والحريات، وبفضل «حكمة غريبة» تُؤطر الفاعلين السياسيين وتدفعهم إلى إدارة اختلافاتهم السياسية دون السقوط في السيناريوهات المخيفة التي حصلت في بلدان أخرى..

خطاب 20 غشت و31 يوليوز وخطاب المغرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى خطاب افتتاح الدورة التشريعية، كلها خطابات تعكس لغة جديدة مفعمة بالصراحة والوضوح، والأهم أنها لغة واثقة ومطمئنة، ما يعني أن هناك بيئة سياسية مختلفة تساعد على إنتاج خطاب جديد..

لكن ما يهمني من وراء هذه المقالة هو أن هناك حاجة للتأهيل الجماعي لمختلف مكونات البلد من أجل تثبيت دعائم الخيار الديموقراطي الذي ارتضاه جميع المغاربة، وهو «خيار لا رجعة فيه، والجميع مطالب بالعمل على ترسيخه»..

هذه الصورة لا تعني بأن المغرب اجتاز جميع استحقاقات الانتقال الديموقراطي، هناك مؤشرات مقلقة تبرز من حين لآخر وعلينا استدعاء الحكمة المغربية للتعامل معها بطريقة عقلانية..

لكن عطب المغرب الأكبر يكمن في نخبه، فبعد الخطاب الملكي الذي يحاول الارتقاء بالخطاب السياسي إلى مستوى ما تتطلبه المرحلة من صدق في الخطاب وموضوعية في التحليل واحترام بين الفاعلين، تابعنا جميعا تمرينا تطبيقيا لمستوى الانحطاط الذي يزيد في تعقيد الصورة أمام الرأي العام الذي يتطلع إلى نخب سياسية جديدة في مستوى تحديات المرحلة..

لم يعد من المقبول الصمت أمام ظواهر سياسية مفلسة أثبتت يوما عن يوم بأنها «تسيء لنفسها ولأحزابها ولوطنها وللعمل السياسي بمعناه النبيل»..

 من الواضح أن هناك إٍرادتين تتجاذبان الساحة السياسية في المغرب، هناك إرادة الإصلاح والجدية ومجابهة التحديات والإعلاء من قيمة المصلحة الوطنية وجعلها فوق كل اعتبار، حتى ولو كانت على حساب بعض المكاسب الحزبية الضيقة، وهي إرادة تعبر عن نفسها من خلال مشاريع إصلاحية واعدة، قد تكون مؤلمة بالنسبة للبعض، لكن لا مناص منها لحماية الاقتصاد الوطني والعبور نحو مصاف الدول الصاعدة…

وهناك إرادة تجر إلى الأسفل، وتستثمر في الرداءة السياسية، وهي إرادة تعبر عن نفسها من خلال خطاب سياسي منحط ومن خلال أساليب البلطجة، معتمدة مختلف أساليب الإفساد السياسي المعتاد في المحطات الانتخابية، خصوصا بالنسبة إلى الذين «يعتبرون مقاعدهم الانتخابية بمثابة ريع أو إرث خالد إلى الأبد»..

لكن الكلمة النهائية ستكون في النهاية للمواطن الذي يستطيع بذكائه الفطري أن يختار خندقه بكل مسؤولية وشجاعة..

حذار من الاستهانة بذكاء الشعوب..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاقيات العمل السياسي أخلاقيات العمل السياسي



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca