مسؤولية تاريخية

الدار البيضاء اليوم  -

مسؤولية تاريخية

عبد العالي حامي الدين

العديد من المؤشرات من هنا وهناك تشير إلى أن المغرب يمر بمرحلة سياسية صعبة تستبطن صراعا خفيا بين إرادتين، إرادة الإصلاح والتغيير التي كسبت مساحات جديدة بعد الرجة الاحتجاجية لدينامية العشرين من فبراير، وإرادة الجمود والمحافظة التي تحاول استرجاع مواقعها بعد هدوء العاصفة.. ودون الدخول في التفاصيل، فإن الطبقة السياسية في المغرب بكل تعبيراتها تتحمل مسؤولية تاريخية في مرحلة سياسية صعبة ..هذه الصعوبة تكمن في التعقيدات المرتبطة بتدبير ظرفية انتقالية من نظام سياسي ودستوري يتميز بثقل الكثير من الموروثات المحافظة التي تتعارض مع القيم الديمقراطية، إلى نظام أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية، وهو ما يتطلب الكثير من التكيف من طرف مختلف الفاعلين السياسيين (الملك، الأحزاب السياسية، رجال الأعمال، الجهاز البيروقراطي، المجتمع المدني.(.. كما تكمن صعوبتها أيضا في الظرفية الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة العاجزة عن تلبية انتظارات المواطنين التي تخفي وراءها عقودا من الخصاص الاجتماعي والاقتصادي. مختلف الفئات الاجتماعية عانت كثيرا من الانسداد السياسي ومن التوزيع غير العادل للثروات، وحينما انطلقت شرارة الربيع العربي، انفجرت معها المطالب الاجتماعية والاقتصادية بطريقة تتجاوز قدرة الحكومات الجديدة وتصطدم بندرة الموارد، وبمخلفات النماذج التنموية التي تم إرساؤها في زمن الانغلاق السياسي. الطبقة السياسية مدعوة للتحلي بالكثير من النضج ومن العقلانية لاستيعاب حساسية المرحلة وخطورتها.. طبعا، لا نحتاج للتذكير بالسياقات التي أفرزت المرحلة الراهنة، وليس لدينا الكثير من الوقت لتبذير الزمن السياسي في المناورات والدسائس.. إن التأخر في الإعلان عن الأغلبية البرلمانية الجديدة لا يخفي وراءه صعوبة تدبير المفاوضات بين الأحزاب السياسية فقط، وهذا أمر طبيعي، ولكنه انعكاس لتكالب إرادة الجمود والمحافظة التي تحاول استرجاع مواقعها السابقة بكل الأساليب الممكنة.. إن محاولات إرباك التحالف الحكومي من الداخل ومن الخارج أضاع على البلاد حوالي سنة كاملة، وهذا الوضع لم يعد خافيا على أحد.. من يتحمل المسؤولية إذن؟ المطلوب من الجميع أن يعي بأنه ليس لدينا سوى خيار واحد هو ضرورة العمل من أجل وضع المغرب على سكة الإصلاحات الضرورية وكسب معركة التحول الديمقراطي الحقيقي بالعمل الجاد على التنزيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور الجديد، وإبداع الحلول المبدعة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والحد من أسباب الفساد والإفلات من المحاسبة والمراقبة... إن الذين يعملون على إفشال هذه التجربة يفتحون البلاد على مخاطر حقيقية لابد من الوعي بها وبمآلاتها الكارثية لا قدر الله.. طبعا، نحن لا نستثني مؤسسة الحكومة ورئاستها من ضرورة تحمل مسؤولياتها الكاملة في إنجاح هذه التجربة والرفع من الأداء الحكومي ليكون في مستوى انتظارات المغاربة، لكن بدون شك هناك جهات أخرى عليها أن تتحمل مسؤوليتها أيضا.. إن المغرب الذي استطاع أن يجتاز بنجاح استحقاقات الربيع الديمقراطي باعتباره يمثل إحدى التجارب القليلة في المنطقة التي تعيش تحولا في ظل الاستقرار، فإن تواصل الدينامية الإصلاحية واحترام سمو الوثيقة الدستورية، ولمس آثار ذلك من طرف المواطنين والمواطنات، هو الضمانة الوحيدة لاستدامة هذا الاستقرار وتعزيزه بصفة نهائية لا رجعة فيها .. بدون ذلك سندخل في دوامة العبث السياسي التي تفتح البلاد على المجهول..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسؤولية تاريخية مسؤولية تاريخية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca