القوة القاهرة

الدار البيضاء اليوم  -

القوة القاهرة

بقلم : عبد العالي حامي الدين

هل هناك قوة قاهرة في الحياة السياسية؟ هل بالفعل يمكن لليد الخفية la main invisible أن تتدخل مكان التحليل الملموس للواقع الملموس؟ هل السياسة في المغرب تخضع لقواعد معيارية سامية ومجردة نسميها في الأدبيات المتداولة بـ”الثوابت الدستورية” ومنها الاختيار الديمقراطي؟ أم إن ديمقراطيتنا الفتية تأبى إلا أن تكون مهندسة من طرف قوى خفية؟

طرحت سؤالا بريئا في أحد اللقاءات “المهمة”: لماذا التشبث بإشراك أحزاب بعينها ضدا على إرادة الناخبين الذين عاقبوها في الانتخابات؟ أجابني أحد الإخوة المجربين: “هذا سؤال فلسفي…”.

بالفعل، إنه سؤال فلسفي معقد. لا يمكن فهمه بأدوات التحليل البسيطة، لأن السياسة في بلادنا لا تدبر فقط، من طرف الفاعلين الذين نراهم بالعين المجردة..

هناك آخرون يسكنون في عالم آخر غير عالمنا المرئي، يخططون ويوجهون ويرشدون ويقررون ويفرضون ويعفون ويعاقبون! لأنهم هم من يمتلكون القوة لفرض ما يريدون.. وتحرسهم قوى مدربة تهاجم كل صوت يحاول أن يغرد خارج السرب…

الأحزاب الوطنية والديمقراطية تتعرض هذه الأيام للضرب بواسطة أدوات القوة..

القوة نوعان: ناعمة وخشنة.

القوة الناعمة لها نفسٌ طويل تستطيع الاشتغال المستمر على مؤسسة صناعة القرار داخل الحزب، هو اشتغال على النفسيات والعقليات، هو اشتغال على الغرائز العميقة التي جبل عليها الإنسان، هو اشتغال مستمر بواسطة أدوات الترغيب والترهيب من أجل تنشيط stimulation غريزة الخوف وغريزة الطمع، ومن تم توطين ثقافة القابلية لقول “نعم” في جميع الأحوال والمناسبات، تحت عنوان “الحكمة” و”بعد النظر”..

أما القوة الخشنة، فتعتمد على إطلاق الكتائب الانكشارية لتنهش لحوم من آمن بالبناء الديمقراطي ودافع عن احترام الدستور، هو اشتغال على ضرب السمعة بواسطة أدوات القذف والتشهير، وفبركة الملفات والزج بالمناضلين في المتاهات، وإشغالهم برفع دعاوى القذف والسب والتشهير أمام قضاء لازال ينتظر مفعول بركات الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.. القوة الخشنة قد تصل إلى درجة الاستهداف المباشر للمؤسسة الحزبية بواسطة أدوات البلطجة، عبر تخريب الممتلكات الحزبية وطرد القيادة الشرعية من مقراتها المركزية ..

ما يجري اليوم، من ضرب للمؤسسة الحزبية يحطم ما تبقى من حواجز وقائية، ويجعل الدولة في مواجهة مباشرة مع المجتمع بدون وساطة عقلانية، وبدون مؤسسات تمثيلية ذات مصداقية.

قوة الدولة من قوة مؤسساتها، وقوة المؤسسات تستمدها من مصداقيتها، وما يجري أمام أعيننا هذه الأيام ليس بالشيء الطبيعي، وهو يحمل في طياته مخاطر لا تخفى على أحد..

اسمحوا لي أن أقول إن حكومتنا- التي نتمنى لها كامل التوفيق والنجاح-  ليست نتيجة لتحالفات سياسية بين أحزاب سياسية حرة، وليست تتويجا لتوافقات سياسية عميقة، ولا حتى نتيجة “مساومات إرادية” بين الفرقاء السياسيين، ولكنها تعبير عن إرادة الأقوياء المفروضة على أحزاب مسلوبة الإرادة.

ومن السذاجة أن نحاول إقناع الناس بأن هذه حكومة سياسية معبرة عن اقتراع 7 أكتوبر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوة القاهرة القوة القاهرة



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca