عودة للرشد والتعقل

الدار البيضاء اليوم  -

عودة للرشد والتعقل

بقلم : عبد العالي حامي الدين

منذ مرحلة الحَراك الشبابي وفي أعقاب نتائج انتخابات 25 نونبر وتشكيل الحكومة الجديدة بقيادة العدالة والتنمية، قلنا بأن التحولات السياسية الجارية في المغرب مفتوحة على فرضيتين اثنتين: “فرضية المناورة السياسية”، أي إن ما جرى من تحولات هو مجرد محاولة لامتصاص غضب الشارع يراد لها أن تنتهي بالالتفاف إلى مطالبه الأساسية، أما الفرضية الثانية فهي “فرضية الانتقال الديمقراطي” وتتأسس على أن المغرب يمر بالفعل بمرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي ستؤدي في النهاية إلى إقرار تحولات ديمقراطية حقيقية تكون لها انعكاسات ملموسة على مسار التنمية في البلاد.
وهي الفرضية التي ندافع عنها باستمرار من خلال إبراز أهم التعديلات التي طرأت على الوثيقة الدستورية وإبراز قدرتها على تأطير زمن الانتقال من ‘السلطوية الناعمة’ إلى ترسيخ قواعد نظام ديمقراطي حقيقي.
علينا أن نذكر من يحتاج إلى تذكير بأن قرار الملك محمد السادس بإجراء إصلاحات دستورية مهمة كانت إشارة واضحة من السلطات العليا في البلاد لتدشين مسار تحول ديمقراطي جديد، وبرهانا على التفاعل السريع مع مطالب الشارع المغربي..
مضامين الإصلاحات التي وعد بها الخطاب الملكي أسست لانتقال ديمقراطي حقيقي، فالحكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية، والوزير الأول يعين من الحزب الأول الفائز في الانتخابات وهو رئيس السلطة التنفيذية، والسلطة مقرونة بالمساءلة والمحاسبة، والقضاء سلطة مستقلة.. إننا بالتأكيد أمام تحولات بنيوية مهدت لدستور جديد، مما دفع بالعديد من المراقبين إلى الحديث عن ‘الاستثناء المغربي’، وقد ساهم في هذا المسار العرض السياسي الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية ممثلا في خيار ‘الإصلاح في ظل الاستقرار’…
خمس سنوات هي مدة كافية لاختبار صوابية هذا الخيار، وطرح العديد من الأسئلة حول مآل التجربة المغربية..
من خلال متابعة قريبة لهذه التجربة يتضح أن معركة الإصلاح ضد الفساد والاستبداد ليست جولة واحدة، بل هي جولات متواصلة، يمكن فيها لقوى الإصلاح أن تتعرض في إحداها لارتدادات معينة، لكن سرعان ما ينبغي أن تمتص ضربات الخصوم وتستمر في مسيرتها الإصلاحية لتحقق الانتصار في النهاية، المهم أن يعبر منحى الإصلاح عن اتجاه تصاعدي تراكمي مستمر، رغم حصول بعض الحوادث في الطريق، وهو ما يعني أن الإصلاح ليس إرادة فقط، ولكنه ـ إلى جانب الإرادة السياسية القوية ـ لابد أن يتسلح بالإصرار على مواصلة الطريق وتجاوز المنعطفات والانعراجات قبل وصول خط النهاية.
وإذا كان المغرب قد استطاع أن يجتاز بنجاح استحقاقات الربيع الديمقراطي، باعتباره يمثل إحدى التجارب القليلة في المنطقة التي تعيش في ظل الاستقرار، مع ما لهذا الوضع من قيمة كبرى وما ينتج عنه من توفير مناخ إيجابي يمكن من تحقيق إصلاحات هادئة قد تكون بطيئة ولكنها مؤكدة ومستدامة، فإننا نعتقد أن استمرار الدينامية الإصلاحية ولمس آثارها على مستوى المؤسسات والسياسات والقطع النهائي مع بعض أساليب التحكم السياسي والريع الاقتصادي، تستوجب ضخ جرعات متواصلة من الإصرار والصمود من أجل تحقيق هذه الأهداف.
إن القوى الإصلاحية الديمقراطية مطالبة اليوم بمساندة هذه التجربة وتوفير الدعم المتواصل لها، ليس فقط عبر التصفيق لها عندما تتخذ قرارات إصلاحية نوعية، ولكن أيضا عبر مواصلة النضال الديمقراطي والتصدي لمختلف أشكال الانحراف والشطط في استعمال السلطة، وفضح مظاهر الفساد التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، وتحصين المجتمع ضد فيروس التحكم وجراثيم الاستبداد، والتنبيه المستمر إلى التجاوزات التي تحصل هنا وهناك.
الديمقراطية لن تترسخ في هذا البلد، إلا عبر بناء تشاركي متدرج، وهو ما يتطلب نفسا طويلا ومتواصلا وإصرارا حقيقيا من أجل تفكيك عقليات الفساد والاستبداد العميقة الموجودة داخل ثقافة الدولة والمجتمع، والعمل على تعميق الصلاح والإصلاح بمعية جميع القوى الحية التي تناضل من أجل مجتمع الكرامة والعدل والحقوق والحريات.
ما يجري هذه الأيام من مناورات بئيسة يكشف بما لا يدع مجالا للشك، أن خريطة التناقضات أصبحت واضحة وأن ذكاء المجتمع وشجاعته ستقول كلمتها في اتجاه بوصلة الإصلاح، وأن “قيامة الانتخابات” قامت بالفعل، لكن داخل معسكر التحكم الذي يعبر اليوم عن ارتباك فظيع.. دعواتنا له بالهداية والرشد والتعقل..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة للرشد والتعقل عودة للرشد والتعقل



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca