ما وراء فاجعة الصويرة

الدار البيضاء اليوم  -

ما وراء فاجعة الصويرة

بقلم - عبد العالي حامي الدين

هل لازال الوقت كافيا لتدبيج الكلمات تعليقا على فاجعة سيدي بولعلام؟ وهل هناك كلمات قادرة على وصف مشهد موت 15 امرأة في التدافع الذي حصل صباح الأحد المنصرم بضواحي مدينة الصويرة؟
هؤلاء النسوة لم يمتن في حادثة سير، ولم يستشهدن في ساحة الحرب، ولم تتزلزل الأرض من تحت أقدامهن، ولم يذهبن نتيجة قصف جوي..
هؤلاء النسوة قضين تحت أشعة الشمس الحارة تحت قضبان الحواجز الحديدية الصدئة، وتحت مئات الأرجل التي جاءت من مناطق بعيدة بحثا عن كيس دقيق وقارورة زيت وعلبة سكر..!!
هل فعلا هو حادث تدافع وازدحام بسبب سوء التنظيم، وبسبب “ضمور السلوك المدني”، الذي يجعل فئات المهمشين والمحرومين لا تعرف كيف تتسول بـ” طريقة متحضرة”!
هل سبب الفاجعة يعود إلى ضعف في التأطير القانوني والتنظيمي لعمليات الإحسان والتبرعات؟ أم إن المقاربة الإحسانية هي التي في مسيس الحاجة إلى التأطير السياسي والحقوقي والقانوني؟؟
هل عُميت بصائرنا إلى الدرجة التي أصبحنا فيها عاجزين عن رؤية الحقيقة الساطعة؟
ألم نستشعر بحسنا الفطري الاختيارات الواضحة التي تكرس الفوارق الاجتماعية، وتشتغل على مأسسة الفقر كـ”معطى قدري” لا مناص للتغلب عليه إلا بسياسة الإحسان المقرونة بالاستغلال السياسي المقيت، مع الحفاظ على طبقة من المحرومين والمهمشين تشكل احتياطا انتخابيا لدى بعضهم، وخزانا للغضب والاحتجاج المخدوم لدى البعض الآخر؟!
لنكن واضحين: العدالة الاجتماعية هي محصلة منظومة من الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، في أفق بناء ذلك المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه.
العدالة الاجتماعية لا تنحصر في التوزيع العادل للثروة بين كافة فئات المجتمع وتحقيق الاستفادة من خيرات المجتمع بين الجميع، ولكنها ذلك الحرص على احترام الكرامة الإنسانية، ذلك الشعور بالآدمية، والآدمية تقترن – حتما – بالكرامة. قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”.
ما حصل بنواحي الصويرة يُسائل جميع أصحاب السلطة، ومدى قدرتهم على وضع سياسات اجتماعية منصفة، وآليات قانونية فعالة ترتكز على تأمين الحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات، وتوفير الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة إلى الفئات الأكثر احتياجا.
ما حصل بضواحي الصويرة يُسائل من وقفوا في وجه سياسة الدعم المباشر للفقراء التي دشنها رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران، الذي حذّر أكثر من مرة أصحاب الرساميل الكبرى من خطورة الفوارق الشاسعة بينهم وبين فقراء هذا الوطن، ونصحهم في أكثر من مناسبة بضرورة التنازل عن بعض المصالح لفائدة الاستقرار الاجتماعي..
إلى أي حد تتوفر بلادنا على عدالة توزيعية وضريبية منصفة، خاصة على مستوى إعادة توزيع الدخول وطريقة توزيع الأعباء الضريبية وتأمين الخدمات الاجتماعية اللازمة للعيش بكرامة وخلق فرص الشغل الضرورية لامتصاص البطالة؟
فاجعة سيدي بولعلام هي إنذار لنا جميعا لننتبه إلى الإشكالات الكبرى التي تفرض نفسها علينا ومساءلة حالة العجز والضعف، التي وصلت إليها الآليات المؤسساتية الخاصة بالتماسك الاجتماعي والعدالة التوزيعية لنتائج النمو الاقتصادي، والعجز الكبير على وضع منظومة للعدالة الاجتماعية فعالة ومنصفة ومستدامة، يساهم فيها الجميع من منطلق الإيمان العميق بمفاهيم الكرامة والعيش المشترك والعدالة الاجتماعية.
رحم الله شهيدات الرغيف.
وإنا لله وإنا إليه راجعون

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء فاجعة الصويرة ما وراء فاجعة الصويرة



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 17:25 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية تعاون تجمع الرجاء المغربي والنصر الإماراتي

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 12:25 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"والت ديزني" تطرح فيلم الخيال الموسيقي الجديد "كوكو"

GMT 08:06 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

"رينو" تسحب آلاف السيارات في روسيا

GMT 16:50 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خمسة جنرالات في الجزائر أمام القضاء بتهم تتعلق بالفساد

GMT 00:48 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

بوسكورة تحتضن سباقا لمحاربة السرطان

GMT 10:12 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

ألكسندر زفيريف يتأهل إلى نصف نهائي بطولة شنغهاي للتنس

GMT 04:12 2018 الأحد ,12 آب / أغسطس

شريف رمزي يكشف عن أحب الأدوار إلى قلبه

GMT 19:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

إيمان يوسف تظهر مصريتها القوية في ديوان شعر

GMT 17:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تألقي بساعة "Run Away "من فندي لإطلالة راقية

GMT 07:57 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

أجمل مجوهرات مرصّعة بالياقوت الأصفر

GMT 05:54 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية معجنات تصنع قطار من خبر الزنجبيل في سيدني

GMT 12:37 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

اختطاف طالب وتعذيبه في وجدة على يد 25 شخصًا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca