المثقف والسلطة والمجتمع

الدار البيضاء اليوم  -

المثقف والسلطة والمجتمع

بقلم - عبد العالي حامي الدين

بغض النظر عن التعريف الدقيق لمفهوم المثقف، والذي أصبح مشوبا بالكثير من الفوضى، فليس كل كاتب مثقفا، وليس كل أستاذ جامعي مثقفا، وليس كل خبير مثقفا، وليس كل محلل سياسي مثقفا.. الكثيرون لا يستحقون لقب مثقف حتى ولو كانوا محسوبين على النخب الأكاديمية التي تملأ القنوات الفضائية بـ”التحليلات” على المقاس، تتعلق بجميع المواضيع، وفِي جميع التخصصات ومستعدة في جميع الأوقات لملأ الشاشة بالكثير من الكلام الذي لا معنى له أو يصب في خدمة أغراض غير بريئة.. الكثير من الخرجات الإعلامية لعدد من الباحثين المحسوبين على الجامعة المغربية باتت تدعو إلى وضع نقطة نظام، دفاعا عن سمعة الجامعة المغربية، وانتصارا لوظيفة المثقف قبل كل شيء. ليس من الضروري أن نقف على تعريف المثقف كما جرى تفصيله في الأدبيات الأكاديمية في سياقات حضارية مختلفة، لكن لا بد من الاتفاق على حد أدنى من الخصائص التي ينبغي أن تميز خطاب المثقف، خصوصا في لحظات الاحتكاك بين السلطة والمجتمع. أهم خاصية تميز خطاب المثقف عن غيره، هو موقفه النقدي الذي يعمل على تحليل واقع الممارسة وهو يحتكم إلى مرجعية قيمية واضحة، وانطلاقا من هذه المرجعية فهو يسائل واقع الممارسة ويكشف عن المفارقات الواقعة بين النموذج المثال وبين الواقع الملموس، ومن هذا المنظور فهو مطالب بتفكيك الخطاب حول الديمقراطية ودولة القانون ومدى احترام الدولة لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.. الخاصية الثانية، هي خاصية الاستقلالية، وهي استقلالية فكرية بالدرجة الأولى، استقلالية عن جميع وسائل التأثير، التأثير المصالحي والمالي والترهيب الفكري والنفسي.. الطريقة التي يتناول فيها بعض المحللين الاحتجاجات المتواصلة بالحسيمة تدعو إلى الاستغراب، فقد انحازت بعض المقاربات إلى توزيع الاتهامات على المحتجين وربط مطالبهم بأجندات خارجية بطريقة بعيدة عن أدوات التحليل اللازمة لفهم خلفيات هذه الاحتجاجات وأسبابها العميقة.. لكن، من حق المثقف أن يتبنى موقفا محافظا من هذه الاحتجاجات، ومن حقه أن يدافع عن السلطة، ومن حقه أن يرفض الاحتجاج الشعبي وأن يرفض هذا الأسلوب في تبليغ مطالبه الاجتماعية والاقتصادية، وأن يستعين في دفاعه عن أطروحته الرافضة للاحتجاج، ولكن من منظور نقدي مستقل واعتمادا على أدوات مفاهيمية علمية قادرة على الإقناع، لكن ليس من حقه أن يتحول إلى مروج لمعلومات ذات طبيعة أمنية تحت غطاء الثقافة والجامعة والبحث العلمي.. وطبعا، ليس من وظيفة المثقف أن يكون نقديا تجاه السلطة فقط، بل من واجبه، أيضا، أن تكون له وقفات نقدية تجاه الجمهور، وهو ما يتطلب شجاعة وجرأة أكبر، لكن دافعه الأساسي ينبغي أن يكون دائما هو الدفاع عن القيم المرجعية العليا المتعاقد عليها بين أبناء المجتمع.. والله أعلم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف والسلطة والمجتمع المثقف والسلطة والمجتمع



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca