الاستِفزازات الإثيوبيّة لمِصر والسودان تتصاعد.

الدار البيضاء اليوم  -

الاستِفزازات الإثيوبيّة لمِصر والسودان تتصاعد

بقلم - عبد الباري عطوان

تُواصِل السّلطات الإثيوبيّة استِفزازاتها لنظيرتها المِصريّة مع اقتِراب بَدء تنفيذ المرحلة الأُولى من مَلء خزّان سد النهضة في مطلع شهر تمّوز (يوليو) المُقبل بحواليّ 18.4 مِليار متر مكعّب من مِياه النيل الأزرق، في وقتٍ لم يتحدّد حتّى الآن موعد استِئناف المُفاوضات الثلاثيّة التي رحّبت بها مِصر وإثيوبيا بوساطةٍ سودانيّةٍ كمُحاولةٍ أخيرةٍ للإنقاذ قبل الانفِجار العسكريّ المُحتَمل.
أحدث فُصول هذه الاستِفزازات تصريحات سيليشي بيكيلي وزير المِياه والري الإثيوبي أثناء اجتماعٍ له أمام قادة الأحزاب السياسيّة ورجال دين حول تطوّرات المُفاوضات مع مِصر والسودان، التي قال فيها إنّ إثيوبيا “لن تعترف” بالحُقوق التاريخيّة لمِصر في مياه النيل، وتجد تأييدًا ومُساندةً في هذا الإطار من دول حوض النيل، في إشارةٍ إلى اوغندا وكينيا التي ينبع من أراضيها وبُحيراتها (فيكتورا) النّيل الأبيض.
***

الحُكومة المِصريّة تلتزم الصّمت، وتتحلّى بأعلى درجات ضبْط النّفس، وتترك الباب مفتوحًا على مِصراعيه أمام الجُهود للوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ للأزَمَة، ولكن هذه “المُرونة” يُساء فهمها من قبل الطّرف الإثيوبي “المُتنمِّر” الذي لم يتورّع عن إعطاء الضوء الأخضر لجيشه للتوغّل في الأراضي السودانيّة ودعم ميليشيات مسلّحة خارجة عن القانون والاستِيلاء على عشرات الهِكتارات والدّخول في صِدامات مع الجيش السوداني أدّت إلى مقتل نقيب، وإصابة سبعة آخرين.
هذا الاعتِداء الإثيوبي العسكريّ على السودان ربّما يأتي ردًّا على رفض حُكومته توقيع اتّفاقٍ ثنائيٍّ حول سد النهضة يستثني مِصر، ويعمل على عزلها إقليميًّا ودوليًّا، فتوقيت هذه الاشتِباكات بالذّخيرة الحيّة “مُريب”، ويَعكِس غطرسة أديس أبابا وتعاليها واستِهتارها بالشّريكين المِصري والسّوداني، وبدعمٍ إسرائيليٍّ واضحٍ، وأمريكيٍّ مُتَستِّر.
الحُكومة المِصريّة وفي ظِل هذا التّصعيد، يجب أن تُصحِّح الخطأ التّاريخي الذي ارتكبته نظيرتها في زمن الرئيس حسني مبارك من حيث تبنّي سِياسات مُعادية للجار الاستراتيجيّ السودانيّ مُنذ مُحاولة اغتِيال الرئيس المِصري (مبارك) في أديس أبابا عام 1996، ومن بينها تصعيد الخِلاف حول حلايب وشلاتين، وفرض السّيادة المِصريّة عليهما من جانبٍ واحدٍ، هذا التّصحيح الذي تأخّر في رأينا باتَ ضروريًّا ومصلحةً مِصريّةً قبل أن يكون مصلحةً سودانيّة.
الرئيس الراحل مبارك كان يُقدِّم أحقاده الشخصيّة تُجاه السودان على مصالح بلاده الاستراتيجيّة، خاصّةً تلك المُتعلِّقة بالأمن المائِي المِصري، والحُقوق التاريخيّة لمِصر في مِياه النيل التي تُعطيها نصيب الأسد (58.8 مِليار متر مُكعّب)، وحان الوقت لإصلاح هذا الخلل عبر بوّابة التوتّرات الحاليّة على الحُدود السودانيّة الإثيوبيّة، ورفض الخرطوم توقيع الاتّفاق الثّنائي مع إثيوبيا حول سد النهضة، فالآن هو الوقت الأنسَب للتّقارب مع السودان، وإبعاده عن إثيوبيا وحليفتها دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتسلّل إليه (السودان) عبر بوّابة رفع العُقوبات الأمريكيّة، وإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.
لسنا مع الحل العسكريّ، ودُخول مِصر حربًا مع إثيوبيا وتدمير سد النهضة لإنقاذ ملايين الفلّاحيين المِصريين من المجاعة، إلا بعد استِنفاد كُل الجُهود السياسيّة والدبلوماسيّة، ولكن إذا وصلت هذه الجُهود إلى طريقٍ مسدودٍ، ويبدو الحال كذلك حتّى الآن، فلا بديل عن الخِيار العسكريّ مهما كانت النّتائج، وسيكون دعم السودان لمِصر ضرورةً استراتيجيّةً مُلحّةً لا يُمكِن الاستِغناء عنها.
أولويّات الجيش المِصري في الوقتِ الراهن، ومع اقتراب فرض إثيوبيا لسِياسات الأمر الواقع، والمُضي قدمًا في ملء خزّان سد النهضة دون اتّفاق، ليس الحرب في سيناء ولا حتى في الصّحراء الليبيّة، رغم أهميّة التّركيز على الجبهتين لخطرهما على الأمن القومي المِصري لأنّ سد النهضة بات يُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لمِصر، وأصبح مسألة حياة أو موت بالنّسبة إلى القِيادة والشّعب المِصري.
***
لنَكُن أكثر صراحةً ونُعيد التّأكيد بأنّ أخطر عدوّين لمِصر هذه الأيّام هُما إثيوبيا وإسرائيل، وأنّ التحالف الاستراتيجي المُتصاعِد يستهدف زعزعة أمنها، واستِقرارها، واستِنزاف إمكانيّاتها، والحيلولة دون نُهوضها، واستِعادة دورها القِيادي، العربيّ والإفريقي، وأوّل خطوة للتصدّي لهذا الخطر تعزيز التّحالف مع السودان على أرضيّة المُساواة والاحتِرام المُتبادل، وإزالة كُل رواسب إرث الماضي العُنصري البغيض الذي تراكم طِوال الثّلاثين عامًا الماضية من الحُكم السّابق.
الدبلوماسيّة النّاجحة هي التي تستند إلى القوّة بشقّيها العسكريّ والاقتصاديّ، والتّحالفات القويّة، الإقليميّة والدوليّة، ونَجزِم بأنّ الوقت قد حان لكيّ يَهُز الجيش المِصري عصاه، بطريقةٍ أو بأُخرى، وتبدأ القِيادة المِصريّة  في استِخدام أوراق ضغطها على إثيوبيا، وهي كثيرةٌ، وقبل بدء ملء الخزّان ويُصبِح الوقت مُتأخِّرًا.. واللُه أعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستِفزازات الإثيوبيّة لمِصر والسودان تتصاعد الاستِفزازات الإثيوبيّة لمِصر والسودان تتصاعد



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:59 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:19 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca