سبحان مغير الأحوال

الدار البيضاء اليوم  -

سبحان مغير الأحوال

بقلم : عبد الباري عطوان

يصعب علينا ان نفهم، او نتفهم، موقف السلطات التركية تجاه تطورات الأوضاع في سورية، ليس لانها متغيرة ومتقلبة، وانما لانها تتسم بالكثير من التناقضات، وقصر النظر، والارتباك في الوقت نفسه.

السيد مولود جاويش اوغلو، وزير الخارجية التركي خرج علينا اليوم الأربعاء بتصريح يحذر فيه من تسليح واشنطن لقوات الحماية الكردية في سورية بأسلحة حديثة متطورة، مشيرا الى ان هذه الخطوة تتسم بالخطورة، و”تشكل تهديدا لوحدة وسيادة أراضي سورية”، مؤكدا انها، أي الأسلحة، “يمكن ان تستخدم ضد تركيا وكل الإنسانية أيضا”.

اعتراض السيد جاويش اوغلو ينصب على تسليح الولايات المتحدة للاكراد، ويعتبره خطرا على تركيا وسورية والإنسانية جمعاء، ولكنه لا يعترض مطلقا على أي خطوة من هذا القبيل من الولايات المتحدة او غيرها تقدم أسلحة الى “غير الاكراد” من ميليشيات وفصائل وحركات، بغض النظر عن الأسماء التي تحارب في الأراضي السورية.

***
نشرح اكثر ونقول ان سماح تركيا بمرور آلاف الاطنان من الأسلحة الامريكية وغير الامريكية عبر أراضيها الى سورية، وعلى مدى السنوات الست الماضية، أي منذ بداية الازمة، لا يشكل خطرا على سيادة سورية ووحدة أراضيها، اما تقديم هذه الأسلحة لوحدات الحماية الكردية فهو فقط الذي يشكل هذا الخطر ويجب مقاومته والتصدي له.

هذا الموقف التركي المتناقض والازدواجي الطابع يستعصي على الفهم، والهضم أيضا، لان تركيا كانت من أوائل الدول التي تدخلت في الازمة، بل وارسلت قواتها للتوغل في الأراضي السورية، فاذا كان هذا التوغل العسكري لا يشكل انتهاكا للسيادة السورية فماذا يكون الانتهاك اذا؟

قبل بدء الازمة السورية، والدور التركي فيها، لم تكن قوات الحماية الكردية موجودة على الاطلاق، ولم يكن للاكراد تنظيمات مسلحة بالشكل الذي نراه في البلاد حاليا، وكانت سورية تنعم بالامن والاستقرار والوحدة الترابية، وعلاقات جيدة واستراتيجية مع تركيا تجاوزت كل الحدود والأعراف التقليدية الى صيغ تحالف سياسي واقتصادي، بل وصداقة شخصية حميمة، فمن الذي نكث العهود، وانقلب ضد حليفه، وانحاز الى خصومه ولجأ الى تسليحهم ودعمهم بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة ووكالة مخابراتها المركزية؟

لا نجادل مطلقا بان سورية لم تكن ديمقراطية، وان سجلها في حقوق الانسان كان الأسوأ، وان التعذيب للمعارضين كان في ذروته، وكذلك الفساد وسياسات الاقصاء والتهميش لقطاعات واسعة من المعارضة السورية، ولكن كل هذه السلبيات لم تمنع حكومة العدالة والتنمية التركية من إقامة علاقات تحالف استراتيجي مع السلطات السورية، وعائلية بين رأسي النظام في البلدين، الاطماع الشخصية في العظمة، والمؤامرة الامريكية التي تورطت فيها انقرة، هي التي اسقطت تركيا في هذه المصيدة وهي مفتوحة العينين للأسف.
***

نعارض كل أنواع التسليح للأطراف السورية التي تريد تقسيم البلاد على أسس عرقية او طائفية، وتفكيك الدولة ومؤسساتها، واغراقها في الفوضى الدموية، سواء جاء هذا التسليح من أمريكا او روسيا او ايران او السعودية او قطر، واذا كان السيد جاويش اوغلو يخشى من قيام كيان كردي على طول حدود بلاده الجنوبية مع سورية، فان بلاده وسياساتها قصيرة النظر هي التي وضعت حجر الأساس لقيام هذه الكيان بحسن نية او سوئها، ونترك الحكم للتاريخ.

نجد لواما علينا التوقف عند قول السيد جاويش اوغلو بأنه اذا كانت عودة الاستقرار الى سورية هي الهدف المنشود فمن الضروري عودة الولايات المتحدة عن خطئها بتسليح الاكراد، ونعيد الطلب نفسه الى تركيا نفسها، أي التراجع عن كل سياساتها الخاطئة في سورية، وهي معروفة، ولا يحتاج السيد اوغلو الى إعادة تذكيره بها.

في الختام نقول للسيد اوغلو وحكومته كلمتين فقط: “صح النوم”.. أكلتم، او ستؤكلون يوم أكل الثور الأبيض او الأسود او الأحمر.. لونّوه كما شئتم.ل.. وزير خارجية تركيا يحذر من خطر تسليح أمريكا للاكراد على سيادة سورية ووحدتها الترابية.. اين كان هذا الحرص طوال السنوات الست الماضية؟ وهل السلاح لغير الاكراد “حلال” مثلا؟ والى متى تستمر هذه الازدواجية وسياسات دفن الرأس في الرمال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سبحان مغير الأحوال سبحان مغير الأحوال



GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca