الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى

الدار البيضاء اليوم  -

الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى

بقلم - عبد الباري عطوان

نجزم بأن الغالبية الساحقة من السوريين لم يتوقعوا وبعد ست سنوات على انطلاق “ثورتهم”، ان الأوضاع في بلادهم ستكون على هذه الدرجة من السوء مثلما هي عليه الآن ابتداء من سفك للدماء وتهجير نصف الشعب، وتدمير معظم المدن الرئيسية، وفوق هذا وذاك بقاء النظام واستمراره في الحكم.

الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى عندما سوقت له دول عربية وغربية سيناريوهات كاذبة مضللة، استخدمت العامل الطائفي كعنصر تحريض وتمزيق واقصاء، وضخت مليارات الدولارات، وآلاف الاطنان من الأسلحة والمعدات العسكرية من اجل الهدف الحقيقي، وهو تفتيت سورية، وتحويلها الى دولة فاشلة، وحل جيشها الذي خاض اربع حروب ضد المشروع الإسرائيلي، تماما مثلما حدث للعراق وليبيا واليمن.

نحن لا نبريء النظام من أي أخطاء، والرئيس السوري بشار الأسد اعترف ببعضها، وقال انه يتحمل مسؤولية بعض الممارسات القمعية، وقتل سوريين، وأكدت السيدة بثينة شعبان، مستشارته في بداية الازمة عن نية حكومتها ادخال صلاحيات سياسية جذرية، بما في ذلك انتخابات حرة ودستور جديد، واحترام حقوق الانسان، واطلاق الحريات، وانهاء دولة الحزب الواحد، ولكن المؤامرة كانت اقوى من الجميع لان دولا عظمى كانت تقف خلفها، بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، ومساعدة دول إقليمية تملك المال بل الكثير منه، واعتقدت ان المهمة ستكون سهلة، ونتائجها سريعة.

ومن المفارقة ان معظم فصائل المعارضة المسلحة لم تعترف مطلقا بأخطائها، ومسؤوليتها عن قتل أي سوري، ولم تجر أي مراجعات سياسية او عسكرية، وكأنها منزهة من أي أخطاء وهي التي قالت انها اشعلت فتيل الثورة من اجل القضاء على الحكم الديكتاتوري، وإقامة البديل الديمقراطي الشفاف.
***

التفجيرات التي هزت دمشق اليوم، واستهدفت قصر العدل (32 قتيلا ومئة جريح)، او مطعما في منطقة الرابية (25 جريحا)، وتزامنت مع دخول “الثورة” السورية عامها السابع، ستعيد تذكير الملايين من السوريين بالنهاية المفجعة التي وصلت اليها احوال بلادهم، والانتكاسة التي تعرضت لها آمالهم في وصول قريب الى بر الأمان، والاستقرار وحقن الدماء.

من الصعب القول ان هذه التفجيرات ستسقط النظام، والا لنجحت نظيراتها في العراق، ولكنها قطعا ستوجه رسالة على درجة كبيرة من الخطورة الى السوريين، تقول مفرداتها ان الامن والاستقرار مازال بعيدا، وان اعمال سفك الدماء مستمرة، ولكن من خلال عمليات إرهابية “نوعية” تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى على غرار ما حصل، ويحصل في العراق.

الذين تمزقت أجسادهم بمتفجرات الحزام الناسف الذي تزنر به الانتحاري منفذ العملية، لم يكونوا من جنود الجيش السوري، ولا أعضاء في الأجهزة الأمنية القمعية، وانما من المواطنين الذين ذهبوا الى قصر العدل لمتابعة معاملاتهم، وقضاياهم القانونية، ومن بينهم قضاة ومحامون أيضا، والغالبية الساحقة منهم من أبناء الطائفية السنية، ونعتذر مسبقا عن استخدام هذه العبارة الطائفية التي نمقتها، ولكن كان لزاما علينا استخدامها للرد على أصحاب المشروع الطائفي التقسيمي الذي يريده البعض لسورية، ويقاتل من اجل فرضه.

من يقف خلف هذه التفجيرات، يريد نقل حمامات سفك الدماء الى العاصمة دمشق، لزعزعة استقرار النظام، وهز الثقة به، تعويضا عن خسارة حلب، وبتحريض من قوى إقليمية ودولية تشعر بالمرارة لهزيمة مشروعها الذي يتمحور حول هدف اسقاط النظام، واستنزاف الجيش السوري، وانقلابه على قيادته.

السلطات السورية التي حافظت على العاصمة آمنة، وواحة من الاستقرار في محيط سوري ملتهب ستنزعج حتما من هذه التفجيرات، خاصة انها تزايدت بشكل ملحوظ في الأيام القليلة الماضية، وهذا امر متوقع من أي حكومة في مكانها تضع الحفاظ على الامن في عاصمتها على رأس قمة أولوياتها.

ما لا يدركه الذين يؤيدون هذه التفجيرات، ويحتفلون بسقوط ضحاياها من الأبرياء، انها ربما تعطي نتائج عكسية تماما، لانها ستحرمهم، بطريقة او بأخرى، من ورقتهم القوية التي كانوا يستخدمونها بفاعلية، وتأثير كبير، ضد النظام وبراميله المتفجرة التي كانت تحصد أرواح الأبرياء طوال السنوات الماضية شكلت العصب الرئيسي في حملاتهم الإعلامية، فهم، او بعضهم بات يتساوى معه، او يتبع الأساليب التي كانوا يدينونها، ويشهرون بها، مع تسليمنا بوجود فوارق في المقارنة.

هذه التفجيرات ربما توفر الغطاء المطلوب لهجوم دموي بات وشيكا على مدينة ادلب، حيث تتجمع الفصائل والمنظمات التي تقف او تتعاطف مع التفجيرات، و”هيئة تحرير الشام”، او “النصرة” سابقا، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف زوارا عراقيين شيعة في احياء دمشق القديمة، مما أدى الى مقتل 75 منهم، واصابة مئتين آخرين.
الدول التي حرضت على نقل المعركة الى المناطق السورية الآمنة، من خلال تنفيذ عمليات انتحارية، ووظفت آلتها الإعلامية الجبارة في هذا الخصوص، ستواجه في يوم ما تهمة الإرهاب، ودفع ثمن مواقفها هذه من خزائنها او امنها واستقرارها ايضا، وعلينا ان نتذكر ان قانون “جيستا” لمحاكمة الدول الراعية للارهاب صدر بعد 15 عاما من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
***
سورية بدأت تقترب من الحل السياسي، ووقف شامل لاطلاق النار، وحقن نهائي لسفك الدماء، بضمانات قوى دولية وإقليمية عظمى، ولكن الذين يقفون خلف الفتنة في سورية والعراق وليبيا واليمن، لا يريدون هذا الحل، مثلما يعارضون أي حوار بين السوريين انفسهم، ولهذا لجأوا الى هذه التفجيرات الانتحارية، ودعموا أصحابها، وعرقلوا ذهاب ممثلي المعارضة المسلحة الى مفاوضات آستانة في جوبتها الأخيرة.

الشعب السوري الذي تشرد نصفه، وفقد حوالي 350 الفا من خيرة أبنائه، وبات يبكي دمار مدنه ووحدته الوطنية والديمغرافية، لا نعتقد انه سيؤيد مثل هذه التفجيرات الدموية، أيا كانت طائفته او مذهبه، ويتطلع الى نهاية سريعة للازمة، وتحقيق المصالحة الوطنية على أرضية العدالة والديمقراطية والمساواة والحكم الرشيد، وبما يعيد التعايش والتسامح بصورة افضل بعيدا عن التهميش والاقصاء، لان هذا الشعب استخلص العبر من السنوات الدموية الست، وبات يميز بين العدو والشقيق، وبات يدرك ابعاد المؤامرة التي استهدفت بلده، واوصلتها الى ما وصلت اليه من قتل ودمار.

تفجيرات دمشق السابقة والحالية، وربما القادمة أيضا، تشكل نقطة تحول رئيسية في الازمة السورية، وجرس انذار للشعب والحكومة السورية والمعارضة أيضا، بالنظر الى التبعات التي ستترتب عليها في المستقبل المنظور.. والايام بيننا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى



GMT 09:43 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

15 عامًا على محاولة اغتيال مروان حمادة

GMT 16:51 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

"حزب الله"... والفساد

GMT 00:03 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ورقة روسيا في سوريا… ليست ورقة!

GMT 07:56 2018 الثلاثاء ,10 إبريل / نيسان

متى تنتهي مهمّة النظام السوري

GMT 06:34 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سورية من مصيبة إلى مصيبة أكبر منها

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا

GMT 04:34 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

عَرْض سيارة إلتون جون موديل 1997 الوحيدة للبيع

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تجميع أكبر خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 04:41 2014 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

مها أمين تطرح مجموعة جذابة من تصميمات "الكروشيه"

GMT 17:30 2016 الخميس ,29 أيلول / سبتمبر

الهولندي أرين روبن يسعى للبقاء مع "بايرن ميونيخ"

GMT 03:09 2014 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

بريطانية تنجب 4 توائم دون تدخل طبي وبعد انتظار 4 سنوات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca