السعودية تدفع الثمن

الدار البيضاء اليوم  -

السعودية تدفع الثمن

بقلم : عبد الباري عطوان

عندما تنقل وكالة الانباء العالمية “رويترز″ عن مسؤول امريكي كبير قوله “ان الولايات المتحدة الامريكية على وشك استكمال سلسلة من صفقات الاسلحة للمملكة العربية السعودية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، ويمكن ان ترتفع القيمة الـ 300 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة لتعزيز قدراتها الدفاعية في وقت تحافظ على التفوق الاسرائيلي العسكري”، فان علينا ان نصدقها، وان ننتظر الاعلان الرسمي اثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب الى الرياض السبت المقبل.

في علم الصحافة، لا تأتي مثل هذه التسريبات من قبيل الصدفة، ولا تتعلق مطلقا بمهارة الصحافي الذي جاء بها، فالمخبر الصحافي يكون مجرد المتلقي في هذه الحالة، وان هناك طرفا اختار ايصال الخبر او المعلومة في الوقت المناسب له، ولتحقيق الغرض الذي يريده.

اختيار الرئيس ترامب للعاصمة السعودية الرياض لكي تكون محطته الخارجية الاولى بعد توليه الحكم، لم يكن بسبب مكانتها الدينية او السياسية، او تزعمها للعالم الاسلامي، وانما لانها تستطيع دفع الثمن، او الرسوم المطلوبة، لا اكثر ولا اقل، وها نحن نتعرف عليه من خلال ما نشرته هذه الوكالة العالمية.

***
لا نجادل في ان السعودية بحاجة الى الاسلحة، ولكن ليس بهذه النوعية، وليس بهذا الثمن، فالصفقة لا تضم طائرات امريكية من طراز اف 35 الحديثة المتطورة على سبيل المثال لا الحصر، وانما عقود صيانة، ومنصات سفن، ومظلة صواريخ دفاعية، مثل باتريوت، ولهذا حرص المسؤول الكبير الذي سرب هذا الخبر الى التأكيد بأن هذه الصفقة لن تمس التفوق العسكري الاسرائيلي.

لا نفهم لماذا يتم التأكيد باسم اسرائيل في هذه الصفقة، والحرص على التأكيد بان امريكا حريصة على استمرار تفوقها العسكري، فالقدرات العسكرية السعودية، وفي العهد الحالي على الاقل، ليست مخصصة لخوض حرب في فلسطين لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للمقدسات، وانما لحروب “مفترضة” ضد ايران، ونقول مفترضة، لان ادارة الرئيس ترامب تستخدم الخطر الايراني كـ”فزاعة” لحلب الاموال السعودية.

الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، والملك المتوج، لم ينطق مطلقا باسم اسرائيل او فلسطين منذ توليه مهام منصبه في اي من تصريحاته ومقابلاته التلفزيونية، ونتحدى ان يأتي من يقول لنا عكس ذلك؟
الرئيس ترامب طالب السعودية ودول الخليج بدفع ثمن الحماية الامريكية لها، فهو يرى كرجل اعمال، وتاجر، ان هذه الحماية لا يمكن ان تكون مجانية، ولهذا جرى الاتفاق، مثلما هو الحال في كل الصفقات التجارية، على طريقة الدفع، وطريقة الدفع هنا تتم عن طريق صفقات، بعضها عسكري، مثلما هو الحال في صفقة الاسلحة هذه، والبعض الآخر استثماري، حيث تعهد الامير بن سلمان اثناء زيارته الى واشنطن قبل شهرين، بضخ 200 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية الامريكية على مدى اربع سنوات، هي مدة ادارة الرئيس ترامب الاولى، وربما الوحيدة.

السؤال هو من اين ستأتي الاموال التي ستمكن القيادة السعودية من الايفاء بهذه التعهدات، تسديد ثمن الصفقات العسكرية؟ فبيع 5 بالمئة من اسهم شركة ارامكو لا يغطي ربع هذه التعهدات، ثم ان العجز في ميزانية السعودية للعام الحالي يقدر بحوالي 84 مليار دولار، يضاف اليها حوالي 13 مليار دولار هي قيمة التراجع عن قرار وقف العلاوات والبدلات لموظفي الدولة.

***
ماذا عن مشاريع البنى التحتية السعودية؟ ماذا عن رفاهية المواطن السعودي؟ ماذا عن دعم السلع والخدمات الاساسية؟

انها اسئلة صعبة ومحرم طرحها، خاصة من قبل الاقتصاديين السعوديين واهل الخبرة، لكن يمكن الاجابة بكل بساطة، والقول انه في ظل تآكل الاحتياطات المالية نتيجة الاسراف في الانفاق العسكري والحربان في سورية واليمن، والطابور الطويل من الحكام الطامعين بالاموال، ليس امام قيادة المملكة الا احد خيارين، الاقتراض والمزيد منه، من الداخل والخارج، عبر طرح سندات للخزينة السعودية، او تسييل الاصول، وبيع الشركات العامة في اطار سياسة “تخصيص”، وطرح 5 بالمئة من اسهم ارامكو هي الخطوة الاولى في سلسلة من خطوات مماثلة، تشمل شركات كبرى مملوكة للدولة والشعب والقائمة طويلة.

المملكة العربية السعودية تفقد حاليا امرين مهمين، الاول هيبتها، او معظمها، والثاني قوتها المالية الناعمة، وهذه خسارة كبرى من الصعب تعويضها في جميع الاحوال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية تدفع الثمن السعودية تدفع الثمن



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca