القضاء سلاحاً ضد المغرب

الدار البيضاء اليوم  -

القضاء سلاحاً ضد المغرب

محمد الأشهب


أقرب إلى علاقة ملتبسة تتراوح بين الانجذاب والنفور. ما إن تصفو الأجواء بين المغرب وفرنسا، حتى تتكدر بين الرباط ومدريد. وإذ يحدث العكس تميل الكفة إلى ترجيح هذا الطرف أو ذاك، كأنما هو الغيظ والغمز يوجه المواقف. غير أن مدريد كما باريس تشتركان في خلفية تاريخية واحدة، كونهما احتلا المغرب على فترات وانسحبت قواتهما وإدارتهما على مراحل، يوم لم يعد في الإمكان استمرار المد الاستعماري.
جاء رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إلى الرباط يبحث عن سبل دعم خيار المصالحة الذي فرض نفسه على المغرب وفرنسا بعد أزمة سياسية وقضائية أضاعت عليهما سنة كاملة من التفاهمات وأشكال التعاون. وما إن وطأت قدماه أرض المطار حتى انبرى قاض إسباني يطلب متابعة مسؤولين مغاربة عسكريين ومدنيين بمزاعم حول ممارسة "إبادة" في الصحراء. تماماً كما اندلعت الأزمة بين الرباط وباريس برداء قضائي تحت عنوان التحقيق مع مسؤول الاستخبارات الداخلية عبد اللطيف الحموشي بمسوغات ممارسة التعذيب ضد مغاربة يحملون الجنسية الفرنسية. أي تلازم هذا يجعل من القضاء سلاحاً سياسياً يرفع في كل مرة تجتاز فيها العلاقات بين المغرب وفرنسا أو إسبانيا مآزق، تبقى عابرة في نهاية المطاف. وبعد أن توصلت باريس والرباط إلى صيغة مقبولة ومتوازنة حيال اعتماد المرجعية القضائية في المغرب آلية فض النزاعات، من دون أن يعني ذلك منح المسؤولين المغاربة حصانة قانونية، أو استغلال المنابر القضائية الفرنسية للإساءة إلى علاقات الصداقة والتعاون، يرتفع صوت قضائي في مدريد مطالباً بمتابعة مسؤولين مغاربة، على خلفية شكوى من تنظيم صحراوي يناهض الرباط في استرداد المحافظات الصحراوية.
اللافت ليس رفع دعوى قضائية، فهذه مسألة لا خلاف حولها، إذ ترتبط بالتعسف والأضرار وانتهاك حقوق الإنسان، ولكن البلد الذي كان يستعمر الصحراء، أي إسبانيا، هو من ينصب نفسه مدافعاً عن أهلها، على رغم أنه ارتضى في إطار مفاوضات سلمية سجلت ضمن وثائق الأمم المتحدة، الانسحاب من الساقية الحمراء ووادي الذهب، بعد أن سفهت محكمة العدل الدولية في لاهاي طروحاته، لناحية أنه احتل أرضاً لا مالك لها، مؤكدة وجود روابط التبعية والولاء بين سكان الإقليم والسلطة المركزية في الرباط.
وكما تستفيد باريس من استمرار الخلافات الإقليمية، خصوصاً في شقها الثنائي بين المغرب والجزائر اللذين يحركان السطح الراكد في سياسة باريس الخارجية إزاء منطقة نفوذها التقليدي في الشمال الإفريقي، فإن إسبانيا بدورها لا تبدو بعيدة من هذه الحسابات والحساسيات. وربما يعتبر استمرار تدفق الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية، المشروع الاقتصادي والتجاري الوحيد الذي تشترك العواصم الثلاث في منافعه، فيما شظايا خلافات الصحراء تتطاير في كل اتجاه.
لن تحيد الأزمات المتلاحقة بين المغرب وشريكيه الأوروبيين إسبانيا وفرنسا، من دائرة الضغوط وردود الأفعال التي تتوخى استكشاف مناطق أخرى في محور العلاقات الاقتصادية والتجارية لم تلامسها الأيادي. وإذ يقر البلدان بأن الرباط كان لديها ما يكفي من الجرأة والشجاعة في فتح ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي طاولت ما يعرف بسنوات الرصاص، إلى درجة أن المنطلق كان من فتح معتقلات في الصحراء وجبر الضرر حيال الضحايا، فإن تحفيزها على قطع المزيد من الأشواط لا يكون عبر الاستفزاز والمقايضة، وإن اختلفت تقويمات الأطراف إزاء ما يقع من مناوشات ومشاحنات، وإنما عبر تأمين مسار العلاقات.
شيء واحد يحتم تظافر الجهود، مساعدة مجلس الأمن في التقدم على طريق إنهاء نزاع الصحراء، فالاستقرار كل لا يتجزأ، وما دونه تفاصيل قابلة للشد والجذب على إيقاع تسجيل المواقف والإصابات في مرمى أي خصم محتمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضاء سلاحاً ضد المغرب القضاء سلاحاً ضد المغرب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca