آفاق حوار الليبيين في المغرب

الدار البيضاء اليوم  -

آفاق حوار الليبيين في المغرب

محمد الأشهب


إذا كان من دلالة لاستضافة المغرب جولة الحوار الليبي، فهي أن التزام الرباط موقفاً مرناً أقرب إلى الحياد حيال الأزمة الليبية، ينحو في اتجاه منح فرقاء النزاع فرصة تجريب الحوار مع بعضهم، بغير لغة السلاح والعنف وهدم ما تبقى من مقومات الدولة. وما من شك في أن مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون، اختار هذه المحطة التي يفترض أن تليها تطورات أخرى، لإبراز أن استقلالية الحل تأتي من استقلالية القرار.
الرهان قائم على منح الليبيين أكبر قدر ممكن من الفرص، لإبراز أنهم قادرون على تذويب خلافاتهم، ضمن مشروع جماعي يظلله الوفاق. بعدها ينفتح مجال المساعدة العربية والأجنبية، إن كان على صعيد تأهيل القوات النظامية في الجيش والأمن، بعد إنهاء فوضى انتشار السلاح، أو في نطاق الدعم السياسي الذي يهدف الى بناء دولة المؤسسات. وليس صدفة أن الذهاب إلى جولة الحوار جاء في أعقاب صدور مواقف دولية، باتت تنظر بقلق كبير إلى تفاعل الأوضاع الأمنية في ليبيا، بما يهدد السلم والاستقرار ويعاود إنتاج نسخة تنظيم ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية»، على مقربة من الجوار الأوروبي.
كما أنه ليس صدفة أن الأطراف المتناحرة استنفدت حروبها التي لم تستثنِ المطارات والمعابر، من دون أن يتمكن أي طرف من فرض «إرادته» على الآخر، بحكم التوزيع الجغرافي لمناطق النفوذ وتشابك الولاءات القبلية والعشائرية، ونتيجة تداخل مصالح خارجية سلبت من الليبيين إرادة الانفتاح على بعضهم. لكن المشروعات المطروحة على الطاولة، من قبيل تشكيل حكومة وحدة وطنية ومعاودة التطبيع مع الخيار الديموقراطي لانتخاب مؤسسة اشتراعية والاتفاق على إجراءات نقل السلطة، تحتاج إلى إلغاء الوضع الاستثنائي الراهن. ومن غير الوارد تحقيق هذا الهدف في ظل استمرار وجود تنظيمات مسلحة خارج السيطرة.
شرعية الحكومات لا تقوم على اقتطاع أجزاء من الأرض وبسط السيطرة عليها بالترغيب والترهيب. فمنذ أن برز إلى الوجود مصطلح «الحكومة المقالة» استنسخت تجارب عربية هكذا نموذج. ولكنها تستند في المفهوم السياسي والديموقراطي إلى صناديق الاقتراع. وهذه بدورها لا تكون مكتملة وأقرب إلى انعكاس الخرائط الحزبية والسياسية، إلا في ظل سلامة الاقتراع الذي تعبر من خلاله الأمة عن إرادتها، من دون إكراه أو خوف أو ضغط.
ثبت أن حروب الشرعيات ليس مجدياً. وإذا كانت الأطراف المتصارعة تتمسك بما تعتبره حقوقاً مكتسبة، فلا أقل من التوافق على صيغة حضارية، اختزلتها الديموقراطيات العصرية في المعارضة والغالبية، في نطاق التداول السلمي على السلطة. وقتذاك يمكن لمن يأنس في نفسه قدرة التأثير والنفوذ السياسي أن يحتكم إلى صناديق الاقتراع. إن حالفه الحظ يتحمل المسؤولية الحكومية وفي حال الاتفاق ينتظر إنضاج الظروف من موقع المعارضة البناءة. إلا أن المشكل في الأزمة الليبية أنها لم تصل بعد درجة الإقناع بجدوى التداول السلمي على السلطة.
لئن كان الانعطاف في اتجاه مرحلة انتقالية يتطلب إلغاء كافة الحواجز التي تحد من أفق الوحدة الوطنية، أي الأرض والسيادة ومرجعية الاحتكام إلى الشعب، فإن تشكيل حكومة وحدة وطنية يتطلب إنهاء حالة التشرذم بين أكثر من سلطة شرعية وأكثر من مؤسسة اشتراعية وأكثر من قوات نظامية، وأكثر من محاور وطني.
أكثر التنازلات إلحاحاً ومدعاة لانبثاق الأمل، أن يتفق الفرقاء على العودة إلى نقطة البداية. ومحورها أن الفترة التي تلت إطاحة نظام العقيد معمر القذافي أبقت على صراعات من نوع آخر. وإذا كان من الطبيعي أن تعتري الانتقال من الثورة إلى الدولة صعوبات، فإن ترجيح خيار الوحدة يظل أفضل صيغة ممكنة لتدارك الأخطاء. وفي مقدمها عدم استباحة البلاد أمام أنواع التدخلات، بخاصة تلك التي تروم استنساخ تجارب سيئة في تحويل البلاد إلى مستنقع إرهاب وأعمال عنف واقتتال.
الأهم أن يقتنع الفرقاء الليبيون أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح الذي يبدأ بالحوار. وربما أن المميزات الإيجابية للمواقف أن أحداً لا يشكك في مدى تمثيلية الطرف الآخر وإن بدرجات متفاوتة وتلك بداية الطريق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آفاق حوار الليبيين في المغرب آفاق حوار الليبيين في المغرب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca