انضباط صناديق الاقتراع

الدار البيضاء اليوم  -

انضباط صناديق الاقتراع

بقلم : محمد الأشهب

لا يبدو أن اشتراعيات الخريف المقبل في المغرب ستكون مختلفة عن سابقتها، لناحية التدافع وتلبد غيوم الأجواء السياسية. فقد مرت السنوات الخمس من ولاية الحكومة الحالية على إيقاع نفاذ الصبر. أكان ذلك بالنسبة لأطراف وازنة في الائتلاف، جاهرت مرات عدة أنها واجهت المزيد من العراقيل للحؤول دون إكمال ولايتها في ظروف طبيعية، أو بالنسبة لخصومها الذين اعتبروا حيازة «العدالة والتنمية» صدارة المشهد الحزبي ضربة حظ أفادت من حراك المرحلة. ويمكن الانقلاب عليها على إيقاع تغيير الظروف.
مصدر الاحتقان المتصاعد، قبل الوصول إلى موعد الاختيار، أن الصراع لا يدور حول البرامج والأفكار واقتراح الحلول لمواجهة المشاكل الراهنة، بل يتفادى في اتجاه العودة إلى مربع النقاش الأيديولوجي بين الانغلاق والانفتاح، أو اليمين واليسار، أو على الأصح إبراز تناقضات الاختيارات، ونشأة ومسار بعض التجارب الحزبية لاستخلاص أحكام قيمة، بينما يتطلع الشارع إلى فرز حقيقي بين دعاة الديموقراطية وراكبي موجتها لأهداف غير ديموقراطية.
يحيل الإقرار الصادر عن قيادة الحزب الإسلامي الذي تخلص من هذا الوصف، وأصبح يحبذ نعته بالحزب ذي الهوية الإسلامية، تحديداً في موضوع تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس لمنع انهيار التجربة السياسية، على مرجعية التحكيم في أي وقت طلب الأمر الحسم في جدل أو إشكالات مطروحة.
إلا أن أهمية المسعى الملكي الذي تحاشى الفرقاء المعنيون الإشارة إليه حين حدوثه، أنه جنب البلاد مأزقاً سياسياً حقيقياً، لم يكن وارداً الخروج منه من دون اللجوء إلى إجراء انتخابات ثانية مبكرة، فيما واقعيته وعقلانيته تكمن في ترك التجربة السياسية تستنفذ ولايتها. ما يفسر كيف أن خصوم الحكومة لم يلجأوا إلى طلب سحب الثقة منها عبر ملتمس رقابة يمكن أن يحظى بالتصديق. والأهم في مبادرة العاهل المغربي الذي شجع كلاً من «العدالة والتنمية» و «تجمع الأحرار» على تناسي خلافاتهما أنه يعتمد منهجية الانضباط إلى نتائج صناديق الاقتراع.
سواء التقط الشركاء السياسيون المبادرة الملكية، وفق زخمها الذي قرب مسافات التباعد بين الحزبين بصورة لافتة، أو فهمت الإشارة أنها يمكن أن تنسحب على تنقية الأجواء بين أكثر الفاعليات السياسية تشدداً في مواقفها إزاء بعضها، فالأهم أن وصول الصراعات الحزبية إلى مأزق لا يعني بالضرورة انعدام المخارج.
والواقع أن الحرص على تمايز المشروع المغربي في هذا السياق سبق موجة الحراك العربي الذي بات ينظر إليه مرادفاً للشؤم وخيبة الأمل. وكما اخترق المغرب الحاجز النفسي والسياسي في تجربة التناوب التي حملت «الاتحاد الاشتراكي» المعارض إلى واجهة التدبير الحكومي في العام 1998، شكلت مشاركة «العدالة والتنمية» في المسار الانتخابي خطوة لافتة اكتملت بتوليه رئاسة الحكومة.
بين إيجابيات هذا التوجه وتردد أوساط في الاقتناع أنه الخيار الصحيح الذي لا بديل منه، تبرز عند كل استحقاق اشتراعي هواجس رديفة لأوجه الصراع المتفاعل داخل الساحة السياسية. وهي إن كانت مقبولة في دائرة المنافسات التي يتعلم منها الفرقاء كيف ينتصرون وكيف يتقبلون الهزيمة كذلك. فإنها تميل إلى النشاز في ضوء المكاسب التي حققتها البلاد، وليس أبعدها أن الخرائط التي تفرزها صناديق الاقتراع أقرب إلى حد ما من استيعاب المشهد، وأن تجربة الانفتاح على الإسلاميين، كما فصائل المعارضة سابقاً، أحدثت تحولاً في النسق السياسي.
السؤال المطروح هل تكون هذه التحالفات مدخلاً لتجاوز أزمات محتملة بدأت تلوح في الأفق؟ في أي حال تبقى تجربة رأب الصدع بين تجمع الأحرار وحزب رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران مدعاة للتأمل، بخاصة إذا اختار التحالف خارج سياق مكونات الغالبية الحكومية.
كل شيء قابل للاستقراء، إلا المغامرة في اتجاه لا يتماشى ورؤية الانفتاح السياسي التي دمجت الجميع في خيار المشاركة الإيجابية. وثمة من ينتظر نكوص التجربة من خارجها أو داخلها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انضباط صناديق الاقتراع انضباط صناديق الاقتراع



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca