خطة بديلة لوقف الهجرة

الدار البيضاء اليوم  -

خطة بديلة لوقف الهجرة

محمد الأشهب


تركت القمة الأوروبية في بروكسيل، على خلفية الفواجع الأليمة للهجرة غير الشرعية انطباعاً إيجابياً في بعده الإنساني. لم يصدر عن الاتحاد الأفريقي ما يفيد بانشغاله بمأساة تحصد أرواح آلاف الأبرياء المتحدرين من أصول أفريقية. ولم تلتفت جامعة الدول العربية كثيراً إلى الموضوع، مع أنه يطاول تردي الأوضاع الأمنية في بلد عربي اسمه ليبيا، وكذا تداعيات نزوح اللاجئين السوريين والعراقيين.
للجامعة ما يكفيها من الأعباء ثقيلة الحمل، إلا أن هناك التزامات لناحية دعم الحوار العربي الأفريقي، كانت تحتم إيلاء مآسي الهجرة غير الشرعية قدراً أكبر من الاهتمام، كونها نتاج أزمات وتراكم معضلات ذات صلة بغياب الاستقرار وحظوظ التنمية وتطويق النزاعات العرقية والطائفية. وطالما استمرت هذه الأوضاع القاتمة، فإن موجات تدفق المهاجرين غير الشرعيين ستتواصل، على قدر الأحلام التي تصنعها متخيلات إغراءات الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
الانشغالات الأوروبية لها ما يبررها، ليس فقط على نطاق اتساع الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان الجنوب ومناطق التوتر والنزع، ولكنها المخاوف من استخدام الهجرة لتسريب عناصر متطرفة، في ضوء تنامي المخاطر الإرهابية. يُضاف إلى ذلك باقي الهواجس الأمنية. وإذا كانت هذه حربها بامتياز لتأمين حدودها، فإن الاتجاه نحو استئناف البحث في تطوير مجالات الهجرة المنظمة في إمكانه أن يخفف بعض الأعباء، أقلها أنه لو لم يكن المجال مفتوحاً أمام العمل غير المشروع الذي يستغل المهاجرين غير الشرعيين، لما زادت حدة النزوح في اتجاه أوروبا.
ارتكبت بلدان الاتحاد الأوروبي خطأً فادحاً، حين أدارت ظهرها لبلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وتحديداً منذ كرست انفتاحاً على بلدان أوروبا الشرقية الخارجة عن المعسكر السوفياتي سابقاً. فقد انصرفت لاستيعاب الهجرة البيضاء التي لا تختلف عن مكوناتها العرقية والثقافية. ليس هذا فحسب، بل أهملت التعاطي والكثير من الأزمات الأفريقية التي كان من نتائجها نزوح عدد كبير من المهاجرين فراراً من الحروب والنزاعات ومضاعفات الكوارث الطبيعية. وبقي مشروع المساعدة في التنيمة الذي كانت تعول عليه الدول الأفريقية معلقاً بين الفئات وبعض الأعمال الإنسانية، ثم تمددت الأزمة لتشمل الجوار الأفريقي الأقرب، مثل ليبيا التي تحولت إلى ملاذات المهاجرين، في غياب فرض رقابة أي سلطة سياسية أو قانونية.
أي مقاربة إنسانية وأمنية أو عسكرية لا يمكنها الحد من تنامي الظاهرة ما لم ترافقها إجراءات جذرية واحترازية، تبدأ من حل الأزمات العالقة في البلدان التي تعاني غياب الاستقرار. وثمة تجربة فريدة أفادت منها أوروبا في تحقيق الإقلاع، عندما أقر الحلفاء مشروع «مارشال» لما بعد الحرب الكونية الثانية، كونه أسعف أوروبا في معاودة الإعمار وانتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية.
يتجاوز الأمر اهتمامات الأوروبيين، وقد حان الوقت كي تتدخل الأمم المتحدة لإقرار خطة بديلة تساعد البلدان مصدر الهجرة في تأمين سبل الاستقرار والأمن. ولا يبدو أن أي إجراءات عسكرية لناحية شن الحرب على شبكات الهجرة في إمكانها اقتلاع الظاهرة. قد تخفف من حدتها لا شك في ذلك. غير أن الاتجاه نحو إحياء الحوار الأفريقي الأوروبي حول الهجرة وغيرها من المعضلات المقلقة، سيمكن من استخلاص تصورات أكثر واقعية، أقلها الإلمام بحقائق الظاهرة وخلفياتها وأبعادها، فالمغامرات القادمة من السواحل الليبية لا تعدو أن تكون منفذا أكثر إغراء لفاقدي الأمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطة بديلة لوقف الهجرة خطة بديلة لوقف الهجرة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca