أفكار جديدة للعلاقات الأوروبية - المتوسطية

الدار البيضاء اليوم  -

أفكار جديدة للعلاقات الأوروبية  المتوسطية

محمد الأشهب

صاغ النائب السابق في البرلمان الأوروبي كلود مارتينيز فكرة جذابة حول سبل التغلب على الأزمات التي تتفاعل في منطقة الشمال الأفريقي والامتداد المتوسطي إلى سورية ولبنان مروراً بمصر، مفادها دعم البلدان العربية التي توفر لديها خصائص الاستقرار والاستمرار.

وإذ يركز على تأثير الصدمة الفرنسية والأوروبية، في ضوء التعرض إلى هجمات إرهابية وأعمال عنف لم تكن متوقعة بذلك القدر من الذهول، يرى أن هذه التراجيديا كانت بمثابة منبه في الحاجة إلى معاودة ترتيب العلاقات الأوروبية وبلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، من دون إغفال التأثير السلبي لسياسات سقطت في المحظور واصطدمت بالجدار، بخاصة في ليبيا ومالي، مع استمرار «مناوشات» ضد بلدان أخرى اتخذت من أوضاع حقوق الإنسان مشجباً.

غير أن تبسيط الفكرة الدالة على استمرارية العلاقات بين البلدان الغربية والأنظمة العربية ذات التقاليد العريقة في الملكيات، يشير إلى تأثر الأولى بمتغيرات صناديق الاقتراع وتداول السلطة، فيما يقتصر الأمر في نظم عربية على تجديد النخب والكفاءات، ضمن حفظ ثوابت المرجعيات. ما يفرض الاهتداء بمنظور مستقبلي لتطوير هذه العلاقات، على قدر من الاحترام والمساواة وتبادل المصالح.

الواقع أنه لم يكن لأفكار جديدة بهذا المعنى أن تبدأ في الظهور، إلا على خلفية أزمات اقتصادية ومالية وسياسية، أدت إلى البحث عن مكامن الاختلالات في بنيات النظم الفكرية والاجتماعية السائدة في الغرب. وبدا أن مطلب الاستقرار اعتلى الواجهة على غيره من الاستقراءات. وكما شدت موجات الهجرة غير الشرعية أنفاس الأوروبيين إلى المخاطر القادمة، جراء نزيف الهروب الجماعي من بؤر التوتر واليأس، فإن هجرة مماثلة ومتصاعدة بدأت تتبلور معالمها في اتجاه بلدان الجنوب التي يطبعها الاستقرار.

من هذا المنطلق، يعاود خيار البناء المتوسطي فرض تحدياته وضروراته، لكن المشكل أن مشروعات بهذه الأهمية تكاد تخضع على الجانب الأوروبي إلى تأثيرات المنافسات الانتخابية. وبعد أن قطع الاتحاد من أجل المتوسط مسافة على طريق إرساء هياكله وبنياته وآليات اشتغاله، حدث انقلاب في سياسة باريس، بمجيء الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، ما أدى إلى تعليق المشروع، وإن كان الاشتراكيون الفرنسيون أبدوا اهتماماً أكبر بالانفتاح على العالم العربي وبلدان الشمال الأفريقي.

لو أبدى الأوروبيون قدراً مماثلاً من الانشغال بأوضاع بلدان الضفة المتوسطية، مثل ما ظل يؤرقهم تراجع عملة اليورو واختناق اقتصاد اليونان وإسبانيا وإيطاليا ومعارك المنافسات الانتخابية التي تطرق الأبواب كل أربع أو خمس سنوات، لتغيرت الصورة نحو الأفضل، فالمخاوف الناشئة حيال النزوح الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الهاربين من جحيم الحروب والفتن الطائفية، لم يواكبها استقراء موضوعي للأسباب والنتائج، كما أن جهود بلدان عربية في الحرب على الإرهاب والدفاع عن الشرعية، كان يفترض أن تشكل حوافز أمام معاودة التئام جبهة دولية عريضة تسعف في استئصال مخاطر العنف والتطرف.

على بعد أميال من النوافذ الأوروبية، تحدث مآسٍ وتتواصل أزمات إنسانية. وأقصى ما يفكر فيه البعض هو اللجوء إلى إغلاق النوافذ، لكن صور الفواجع لم تعد تحدها الفضاءات المغلقة، وأصبحت تغزو العقول والمشاعر في أيما مكان، أقربها أن ظاهرة الربيع العربي تحللت إلى أزمات تلتقي عند اشتداد الفوضى والاضطرابات وانسداد الأفق. ولم يبق سوى الاتكاء على البلدان التي صمدت، كونها باتت ترمي حبال النجاة إلى الغرقى.

في كتابه الذي يعرض إلى التجربة السياسية التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي مكنت الإسلاميين من دور بارز في هرم السلطة التنفيذية، يطرح كلود مارتينيز فكرة الانجذاب الحتمي إلى دور الاعتدال العربي في الخليج وشمال أفريقيا، ويدعو إلى الكف عن رفع معاول الانتقاد السلبي، لأن الاستقرار الذي تضمنه هذه البلدان ذو خلفية تاريخية وتراكمات معرفية استندت إلى الواقع ولم تحلق في السماء. وهذه العملة النادرة في عالم تتنازعه الحروب والاضطرابات لا تصنع في مختبرات أجنبية، بل داخل كيمياء واقع متمايز، قد يساعد الاستناد إلى خصوصياته في معاودة الدفء لمشروع البناء المتوسطي الذي يراوح مكانه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار جديدة للعلاقات الأوروبية  المتوسطية أفكار جديدة للعلاقات الأوروبية  المتوسطية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca