التسامح بين الأديان.. منهج حياة

الدار البيضاء اليوم  -

التسامح بين الأديان منهج حياة

عماد الدين حسين
بقلم : عماد الدين حسين

كيف نجعل التسامح منهج حياة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر؟!
هذا السؤال كان محورا لحلقة نقاشية مهمة على مدى يومين الأسبوع الماضى لمنتدى حوار الثقافات الذى تنظمه «الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية» بصفة دورية، والعنوان الرئيسى للمنتدى كان: «التسامح ومواجهة العنف.. من المبدأ إلى التطبيق».
فى الجلسة الافتتاحة للمنتدى تحدث القس الدكتور أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وكان بجواره على المنصة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وأدارها الإعلامى نشأت الديهى.
زكى قال إن قيمة التسامح ذات قوة كبيرة، وهى ليست مجرد إطار نظرى، بل منهج للحياة، والمطلوب أن يترسخ التسامح ليصبح هو الأمر المألوف فى المجتمع وفى التعامل مع الآخر، فى قبوله واحترامه وإنصافه وفى البيع والشراء وكل الأنشطة والمعاملات المجتمعية.
كلام زكى مهم جدا، وما قاله تم ترجمته بالفعل فى حادث حريق كنيسة أبوسيفين فى إمبابة حيث سارع العديد من المسلمين لإنقاذ وإسعاف المصلين المسيحيين داخل الكنيسة من منطلق إنسانى طبيعى، وهو ما يعنى أن نموذج التسامح والعيش المشترك موجود بالفعل لدى الشعب المصرى صاحب المخزون الحضارى العريق.
نموذج التسامح موجود بالفعل، بكل إيجابياته، لكن وكما يقول زكى فهو يواجه تحديات علينا جميعا مواجهتها بشجاعة.
زكى يطالب بضرورة تعريف كل مصطلح بدقة خصوصا التفريق بين مصطلحات مثل «الالتزام والتشدد والتدين» حتى لا يؤدى الخلط بينها إلى نشأة أفكار متشددة.
مصطلح التسامح من وجهة نظر أندريه زكى يشتمل على الرحمة والسماحة والمغفرة والصلح والسير والاستواء والكرم والرفق، والأهم أنه يعنى المساحة التى تتجاوز المشترك إلى حق الاختلاف، بمعنى أن يكون هناك مكان للآخر المختلف.
حينما ننجح فى تعريف المصطلح بدقة، فإننا نخطو خطوة لمعرفة الذات والآخر والقواسم والأرضية المشتركة بيننا وكيف نتعاون سويا.
فى نقطة التسامح فى الأديان، فالمؤكد كما يقول زكى فإن الناس جميعا لهم الحق فى العيش والكرامة دون استثناء. وإعمار الأرض لن يتحقق إلا بسيادة مبدأ التسامح والتعاون والتكامل، فالاختلاف لا يجب أن يكون سببا للتنافر والعداوة بل للتعارف والتلاقى، والنصوص الدينية لمختلف الأديان لم تعتبر التسامح مجرد نظرية، بل ربطته بكل أوجه الحياة.
عدم التسامح حسب زكى لا ينبع أبدا من النص الدينى السمح بطبيعته ولكن المشكلة فى الأساس تأتى من بعض التفسيرات التى تحاول اختطاف النص وتأويله إلى حيث ما لا يقصد وتستغله فى تأجيج دعاوى الكراهية افتراء وزورا «سماحة النص وجمود التفسير».
ولكى تتم عملية التفسير بشكل موضوعى فهناك أهمية لدراسة سياق النص الدينى تشمل أربعة عناصر رئيسية هى اللغة والتاريخ والجغرافيا والحضارة، حتى نفهم ماذا كان يعنى هذا النص للمتلقى الأول فى سياقه الحضارى والظروف التاريخية والسياسية التى مر بها، والمنطقة الجغرافية التى كتب فيها النص، وبعدها يأتى السؤال المهم وهو: ماذا يعنى هذا النص بالنسبة لحياتى هنا والآن، وهذا هو المقصود من دور التفسير فى دعم العيش المشترك، لأنه بتفسير خاطئ ينقل معنى النص تماما ويخرج عن سياقه، وهو الأمر الذى تفعله التفسيرات المتشددة للنصوص الدينية، فهل نأخد النص بحرفيته ونغفل خلفيته والظروف التى نزل فيها، وخطأ التعميم؟
نقطة مهمة أيضا أثارها زكى وهى التسامح بين النظرية والتطبيق، لأنه من دون تطبيق عملى لقيمة التسامح فهى تبقى مجرد كلمات نبيلة خالية من التأثير والقوة. فالتسامح فى معناه العملى يشتمل على التعامل بين الشخص الأقوى والأضعف ومعرفة الآخر وقبول حق الاختلاف.
يعتقد زكى أيضا أن الحوار هو البوابة الرئيسية للوعى والفهم والإدراك وكلها الأعمدة الرئيسية للوعى والفهم وبناء مفهوم التسامح لأن الجهل أحد ألد أعداء الإنسان، والتعليم هو سلاح الفرد لمحاربة الجهل بشتى أنواعه وبالتالى من الأهمية تضمين قيم الحوار والتسامح والعيش المشترك وقبول الآخر ضمن مناهج التعليم منذ رياض الأطفال وحتى الجامعات، حتى يصبح التسامح جزءا رئيسيا من المكون المعرفى للفرد منذ طفولته.
زكى ختم كلمته بأن العقود الماضية أثبتت أن أى إنجاز حقيقى فى المجتمع على كل المستويات لن نصل إليه من دون قيمة التسامح والعيش المشترك. وأن العبور والتعافى من أى ظروف سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية يجب أن ينطلق من سيادة التسامح.
لكن السؤال: هل نحتاج للتسامح فقط بين الأديان، أم أيضا داخل كل دين على حدة؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسامح بين الأديان منهج حياة التسامح بين الأديان منهج حياة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 15:53 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد عقد "جان بوفون وجورجيو كليني"في يوفنتوس

GMT 00:05 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

فوائد نبات "القسط الهندي" على صحة الإنسان

GMT 16:05 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فضل الشعبي يوضح سبب تنحي المبعوث الأممي لليمن

GMT 01:56 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

عطر Dylan Blue يمنح الرجل عطرًا أكثر جاذبية وسحرًا

GMT 11:32 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

فندق النوم في علب الصفيح في الدنمارك "Can Sleep Hotel"

GMT 05:20 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

فيصل السمرة يسلط الضوء على مسيرته الفنية المختلفة

GMT 10:28 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل سيلينا غوميز منتجع صغير يجمع بين الفخامة والرفاهية

GMT 15:49 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

PRADA تطرح تشكيلتها الجديدة للرجل المميّز لربيع وصيف 2018

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 00:58 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

5 علامات تتعرف بها على الطفل المصاب بالتوحد

GMT 11:22 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

الجيش الروسي يتسلم 20 عربة مدرعة من طراز "تايفون"

GMT 15:25 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

جاستن بيبر يقضي سهرة مع فتاة مجهولة

GMT 02:50 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تبعد بدر الدين بنعاشور عن الملاعب لمدة شهرين

GMT 06:10 2016 الأحد ,09 تشرين الأول / أكتوبر

"فولكس فاجن" تقدم "باسات استيت" في سوق الدفع الرباعي

GMT 00:07 2016 السبت ,20 آب / أغسطس

ما هي فوائد ممارسة رياضة المشي ؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca