التضخم ومؤشر قرص الطعمية!

الدار البيضاء اليوم  -

التضخم ومؤشر قرص الطعمية

عماد الدين حسين
بقلم - عماد الدين حسين

أحد الأصدقاء أرسل لى صباح السبت الماضى الرسالة القصيرة التالية على «الواتس اب»: «طول ما قرص الطعمية بيصغر، اعرف على طول إن التضخم بيزيد»!!

ومن الواضح أن هذه الرسالة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى، لدرجة أن البعض أطلق عليها ساخرا: «مؤشر الفلافل».
قرص الطعمية مثال عملى لشرح فكرة التضخم فى أى مكان بالعالم، فحجمه أو حجم أى سلعة أخرى، مقارنة بسعرها مثال حى لفكرة التضخم.
وحينما كنت أناقش هذه الفكرة مع أحد الأصدقاء الذين أعرفهم من أيام الطفولة فى إحدى قرى محافظة أسيوط قال لى بصورة جادة: «حتى تدرك معنى التضخم بصورة عملية، وحتى تعرف ماذا حدث لقيمة النقود، يكفى أن تعرف أننى حينما كنت تلميذا فى المرحلة الابتدائية بداية من عام 1971، كان مصروفى من والدى قرش صاغ أبيض. هذا القرش كان يشترى لى رغيفا ومعه قرصان من الطعمية، ولكى تعرف ماذا حدث للنقود وقيمتها عليك أن تحسب ببساطة كم تحتاج لكى تشترى الآن نفس الرغيف والطعمية. أغلب الظن أن السعر لن يقل بأى حال من الأحوال عن جنيهين، وبالتالى فإن القيمة الحقيقية للقرش الواحد فى بدايات السبعينيات ارتفعت الآن إلى ٢٠٠ قرش، يعنى ٢٠٠ ضعف».
معظمنا فى مصر خصوصا كبار السن مغرمين بالحكاوى التقليدية عن أن القرش الواحد كان يشترى «زمان» أكثر من عشر بيضات، نكرر ذلك لأولادنا، ولكن لا نخبرهم ببقية الحقيقة، وهى أنه ليس مهما كم كان حجم دخلنا المالى أو ممتلكاتنا، بقدر ما أن المهم هو: هل هذا المرتب كان يكفى احتياجاتنا الأساسية أم لا؟!
على سبيل المثال نفس الصديق يقول لى إن مرتب والده فى بداية السبعينيات كان ١٨ جنيها مصريا، لكن هذا الراتب كان يكفى الأسرة المكونة من أربعة أفراد بصورة جيدة. والآن فإن الحد الأدنى لتكاليف نفس الأسرة هو خمسة آلاف جنيه. إذا الـ ١٨ جنيها فى بداية السبعينيات هى نفسها الخمسة آلاف جنيه الآن.
وبالتالى فإن السؤال الذى ينبغى أن نفكر فيه دائما ليس هو حجم الراتب أو الدخل، أو ما نملك من أموال، بل هى قيمة ما يمكن لهذه الأموال أن تشتريه.
والتضخم حسب التعريفات الاقتصادية هو أن يكون هناك أموال كثيرة، لكن لا يقابلها إنتاج أو سلع فى الأسواق.
وكلما زادت الأموال وقلت السلع، كلما كان التضخم مرتفعا، وإذا تساوت الأموال مع السلع فمعنى ذلك أن التضخم مسيطر عليه، أما الأفضل فهو أن يكون لديك إنتاج أكثر من استهلاكك، وبالتالى تستطيع أن تصدر فائض الإنتاج للخارج، وتحصل على عملات أجنبية أكثر يمكن ترجمتها إلى سلع مختلفة أو فوائض مالية تجعل مستوى الحياة مرتفعا فى هذا البلد أو ذاك.
والواقع يقول إنه ومع تداعيات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فإن غالبية بلدان العالم تعانى من ظاهرة تضخم واسعة النطاق، والخشية الكبرى أن يكون هذا التضخم مصحوبا بركود اقتصادى كبير وممتد، وبالتالى يدخل العالم فى نفق لا نعرف متى وكيف نخرج منه.
ونتيجة لأسباب كثيرة ومتعددة فإن ديون العالم زادت والإنتاج قل كثيرا، ودول كثيرة اضطرت لتقديم حوافز مالية لمواطنيها لمواجهة تداعيات كورونا وأوكرانيا، وهو أمر كان حتميا، لكنه زاد من معدلات التضخم. وحينما كثرت الأموال الورقية وقل الإنتاج الفعلى، اضطرت العديد من الدول إلى رفع أسعار الفائدة، حتى تسحب السيولة المالية من الأسواق.
ورأينا أن البنك الفيدرالى الأمريكى زاد من سعر الفائدة بنسبة ٧٥ نقطة أساس قبل أيام قليلة، وهى الزيادة الثالثة هذا العام. ونظرا لارتباط العديد من دول العالم بعملة الدولار الأمريكى والاقتصاد الأمريكى، فقد اضطرت هذه البلدان إلى رفع نسبة الفائدة أيضا، كما حدث فى دول الخليج مثلا، والنتيجة هى أن كثيرين سيفضلون وضع أموالهم فى البنوك بدلا من استثمارها، وبالتالى يتراجع الاستثمار لأن العائد من وضع النقود فى البنوك سيكون أعلى من توظيفه فى الاستثمار بسبب ارتفاع سعر الفائدة على القروض الموجهة لهذا الاستثمار. وإحدى نتائج ذلك زيادة معدل البطالة، وانخفاض معدل النمو، ودخول معظم دول العالم فى حالة تضخم قد تتطور إلى ركود وهو ما يعنى مزيدا من البطالة ومزيدا من تراجع الإنتاج، وهكذا دواليك.
هل أدركتم الآن العلاقة بين مؤشر قرص الطعمية أو الفلافل والأوضاع الاقتصادية المتعثرة فى العالم أجمع؟!.

 بنود مترابطة - 5

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التضخم ومؤشر قرص الطعمية التضخم ومؤشر قرص الطعمية



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة

GMT 20:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات جديدة في قضية لطيفة رأفت ضد رئيس الوزراء المغربي

GMT 09:16 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بلاك شاينا أنيقة خلال توزيع جوائز "BET Hip Hop"

GMT 08:03 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

طرق وخطوات تطبيق "الأيلاينر الأومبري"

GMT 17:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تدريبات خاصة ليوسف القديوي لاستعادة لياقته البدنية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca