انتصار جوني و«نكسة» أمبر

الدار البيضاء اليوم  -

انتصار جوني و«نكسة» أمبر

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

هل بقي ما لم يُقل في خامس يونيو (حزيران) 1967 بعد انقضاء أعوام بلغت نهار الأحد الماضي خمسة وخمسين، مذ وقوع أخطر هزائم أمة العرب أجمعين؟ انتظر، قبل أي جواب - صدع صوت معترض كأنه آت من وراء البحار - أقلتَ إنها «هزيمة»؟ بلى. ويل لك، إذن، بل ثكلتك أمُ كل الأمم قاطبة، أنى لك أن تجرؤ فتعدها كذلك، إنْ هذا إلا اجتراء، أو قل إنه افتراء جائر على الحق، فما كان الذي حصل سوى «نكسة» تعرض لمثلها، وأبشع منها، أقوام كثيرون عبر قرون ليست تُعد ولا تُحصى، فما دهاك أيها الفتى المُضلل بخداع أعداء وأكاذيب متآمرين ضد حاضر أجيال العرب ومستقبلهم في كل الأزمان؟
إذا كان إنكار وقوع الهزيمة في «حرب الستة أيام»، التي زلزلت الأرض تحت أقدام العرب، لم يزل يحظى بقبول كثيرين ليس لديهم أي اعتراض على ما يزعم بعض المنظرين، رغم أن ارتدادات الزلزال ذاته لا تزال تخض حاضر العالم العربي، وتتدخل في رسم طريق مستقبله، فما العجب، إذن، إذا انطلق جمهور الممثلة الأميركية أمبر هيرد، يعترضون بشدة على التسليم بأن جوني ديب، زوجها السابق، غريمها الآن، وربما مدى الحياة، حقق الانتصار عليها في ساحات القضاء الأميركي، ومن ثم فإن قرار هيئة المحلفين ضدها ليس سوى «نكسة» تعرضت لها في معركة مستمرة حتى تُحسم لاحقاً أمام محكمة الاستئناف؟ ما من عجب إطلاقاً. انتفاء العجب له أكثر من سبب يبرره. تشمل الأسباب عوامل عدة، في مقدمها العامل المتعلق بما تلعب منصات «السوشيال ميديا» من أدوار ليس سهلاً، وربما غير ممكن بشكل محكم، وقف تأثيرها، سواء السلبي أو الإيجابي، على كل ما يجري داخل مجتمعات العالم كافة.
تجلى ذلك بوضوح فور إعلان الحكم في مدينة فيرفاكس بولاية فيرجينيا مساء الأربعاء الماضي، إذ لم تمض بضع دقائق حتى كانت تلك المنصات تشتعل حروباً بين أنصار الطرفين، ليس في أميركا وحدها، بل في أنحاء الأرض كلها. ولأن معظم منابر الإعلام المرئي والمسموع باتت تنافس مواقع «التواصل الاجتماعي»، وتخوض هي أيضاً معاركها مع تلك المواقع بغرض تأكيد وجودها، واستمرار دورها، فقد اضطرت أن تنقل عنها ردود أفعال المشاهير إزاء الحكم، ومواقف المعروفين بينهم كما عبروا عنها عبر صفحاتهم الخاصة بهم. هكذا، إذنْ، صار من الواضح تماماً أن كل حدث يصبح موضع أحاديث الناس على «السوشيال ميديا» سوف يتأثر مدى انتشاره، بما ينجح في تحقيقه من تفاعل الآخرين معه على تلك المنصات. هل معنى ذلك أن تقصي الحقائق لم يعد مهماً، لأن بوسع جماهير تلك المنصات أن تفرض رؤاها فرضاً؟
كلا، سوف يبقى مطلوباً، ومن الضروري جداً، اللجوء إلى كل أدوات البحث الجاد ليس عن الحقائق المجردة فحسب، وإنما عن التفاصيل التي تتعلق بأساس نشأتها، بمعنى أن التوصل إلى معرفة مجرم ارتكب جريمة قتل، وإلقاء القبض عليه، يجب ألا يجب ضرورة الوقوف على العوامل التي أدت إلى ارتكاب الجرم، والغوص في عمق الأسباب لفهم الدوافع جيداً. إذا أهمِل هذا الجانب، لن ينجح الأميركيون أنفسهم، مثلاً، في وضع حد لمآسي جرائم إطلاق الرصاص العشوائي، كما حصل في تكساس أخيراً. بصرف النظر عن سخف، أو أهمية، المواقف التي تشق طريقها إلى فضاءات عوالم الإنترنت، وبعض منها قد يكون مفيداً، حتى لو أن أكثرها غث، يبقى من الضروري الحيلولة دون تحولها إلى أحكام تُقبل على علاتها إزاء أي حدث.
فيما كنتُ أتابع على شاشات عدد من الفضائيات العالمية معارك الفريقين، لم أستطع تجنب استحضار أجواء خامس يونيو 1967 العربية. بدت مزاعم مؤيدي أمبر هيرد بأن جوني ديب انتصر عليها لأن متابعيه عبر «السوشيال ميديا» يفوقون متابعيها بكثير، وأن قرارات هيئة المحلفين، بالتالي، تأثرت بما كان يُنشر ضدها، شبيهة بادعاءات تعليق هزيمة العرب على مشجب المؤامرات العالمية، ومن ثم اعتبار أنها مجرد «نكسة» عابرة. نعم، هناك دائماً قوى دولية كبرى قد تتآمر هنا وهناك لأجل مصالحها، لكن ذلك لن يبرر إطلاقاً وجود أكثر من خلل كان ينخر عظام الوضع العربي، فهل من العجب إذا انهار الجسد، يومذاك، بأسرع مما توقع حتى الطرف المتآمر ذاته؟ كلا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصار جوني و«نكسة» أمبر انتصار جوني و«نكسة» أمبر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca