الأزمة الأوكرانية وارتدادات شرق أوسطية

الدار البيضاء اليوم  -

الأزمة الأوكرانية وارتدادات شرق أوسطية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

فيما تدوي طبول الحرب على الحدود الروسية الأوكرانية، يسمع الصدى في الشرق الأوسط، ويخشى من الارتدادات السلبية، والتي قد تصل إلى حد الكارثية.
لم يعد العالم جزراً منفصلة، بل قطاعات وأقاليم جيو - استراتيجية موصولة بعضها ببعض، ومن غير أدنى مقدرة على الفصل سياسياً أو اقتصادياً، عسكرياً أو إنسانياً، وربما دلفت البشرية إلى زمن ما بعد العولمة.
مهما يكن من أمر وفي ترجمة للتنظير المتقدم، يمكن القطع بأن حرباً كيفما كان شكلها بين روسيا وأوكرانيا ستؤثر على صعيد الحياة اليومية لدول الشرق الأوسط، بدءاً من رغيف الخبز، السلعة الرئيسية التي لا غنى عنها، لا سيما أن سلاسل إمدادات الحبوب من روسيا وأوكرانيا إلى العالم العربي ودول الشرق الأوسط، سوف تتأثر ولا شك.
عرفت الأراضي، وخصوصاً في القسم الشرقي منها، والمرشح لأن يضحى موقع وموضع القارعة، بأنها أكثر الأراضي خصوبة وسلة غذاء أوروبا من القمح.
من لبنان إلى مصر والجزائر، تبدو هناك اعتمادية كبرى على واردات القمح من موسكو وكييف، والسؤال المؤلم: «كيف سيكون حال أسعار تلك الحبوب إذا اندلعت المعارك أول الأمر، وإذا اتسعت رقعتها تالياً، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات ذلك على حالة السلم والأمن المجتمعي في المنطقة إذا ارتفعت بقية أسعار السلع والخدمات الغذائية؟ أما عن زيادات أسعار الخبز فحدث ولا حرج، وقد رأى العالم بأم عينيه ما جرى في كازاخستان مؤخراً من توترات بسبب ارتفاعات مماثلة.
قبل بضعة أيام وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، تحدث الجنرال الأميركي، إريك كوريلا، المرشح لمنصب القائد العام للقيادة المركزية الأميركية، عن التأثيرات الضارة لغزو روسيا لأوكرانيا في الشرق الأوسط، وكيف أن الأمر سيظهر بشكل واسع في سوريا، حيث الحضور العسكري الروسي، والذي قد يستجلب توتراً عسكرياً، قد ينحو لاحقاً لصدامات وقتال ضارٍ.
يُعرف الجنرال كوريلا بأنه «مفكر استراتيجي يمكنه رؤية الصورة بكل تفاصيلها»، وهو ضمن نخبة العسكرية الأميركية الرفيعة الرتب من جنرالات النجوم الأربع، الذين تتعهدهم واشنطن حالياً، في سياق رؤيتها للعالم عبر فكر شامل يربط بين ما هو جغرافي وما هو ديموغرافي، من شمال المسكونة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
حال المواجهة في الركن الآسيوي القصي، لن توفر روسيا استخدام حضورها العسكري في سوريا في محاولة إلحاق الأذى بالأهداف العسكرية الأميركية في المنطقة، وقد لا يكون الأمر بشكل مباشر، إنما من خلال علاقات معقدة وإن لم تغب عن الأعين.
على سبيل المثال لا الحصر، تبدو التفاهمات الروسية – الإيرانية قائمة وقادمة، ومن اليسير للغاية أن تسعى الميليشيات الموالية لإيران في العراق، في طريق استهداف الوجود الأميركي المسلح والقواعد العسكرية على الأراضي العراقية.
وفي حال اتساع دائرة المواجهات ستدفع إيران وكلاءها لمهاجمة أهداف أميركية على نطاق أوسع، كقيام الحوثي بالتعرض لقطع البحرية الأميركية، وهو ما تنبهت له عقول استراتيجية أميركية، باتت ترى أن واشنطن مرشحة للانجرار في طريق مواجهة عسكرية أخرى في الخليج العربي.
ولعله ضمن الحسابات التي ستمثل حكماً خسائر غير مباشرة لتلك الحرب، ما سيطرأ على إيران من رغبة في تعزيز موقعها وموضعها، بل السعي الحثيث والسريع لإكمال ما ينقص من خطوات في طريق سلاحها النووي، لا سيما أن العالم سيكون منشغلاً بدرجة بالغة في مواجهة، يمكن أن تتطور عند لحظة بعينها إلى حرب دولية لا يعرف أحد أبعادها المأساوية.
جانب آخر من المشهد موصول بأوضاع الطاقة العالمية، وهو ربما أكثر المشاهد تتداخل فيه الخيوط وتتشابك الخطوط، ولا يتوقف الأمر عند الارتفاع الجنوني الذي يمكن أن يصيب أسعار النفط والغاز، وأثر ذلك في بقية مناحي الحياة حول العالم، والتبعات السلبية الرهيبة على اقتصاديات العالم الذي لم ينفك يبرأ من أزمة جائحة «كورونا» وما خلفته من كساد اقتصادي مخيف، بل يتجاوز المشهد كل ذلك إلى ما يشبه صراع إرادات وحلفاء... ماذا عن هذا؟
باختصار غير مُخل، حال قام القيصر بوتين بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، ربما لا تجد واشنطن بداً من الحديث مع حلفائها في الخليج العربي والشرق الأوسط لتعويض هذا النقص الفادح، الأمر الذي يتطلب بصورة قاطعة تحويل مسارات صادرات النفط والغاز المفترض وصولها إلى الصين، لوجهة القارة الأوروبية، وهو أمر يمكنه أن يغضب الصين وروسيا معاً، وقد يعرض أمن الطاقة في المنطقة برمتها للخطر، وبنوع خاص حال فكر «الناتو» في استخدام قواعده العسكرية في الشرق الأوسط في العمليات العسكرية، حيث ستضحى ومن أسف آبار النفط والغاز بالقرب من أعواد الثقاب.
روسيا تسعى لتصحيح مساراتها الإمبراطورية، وربما إحيائها، وأميركا تجاهد للتكفير عن انسحابها من أفغانستان، وعلى دول الشرق الأوسط أن تبادر للتفكير قبل أن تفرض عليها النوازل ما لا ترغب أو تحب...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة الأوكرانية وارتدادات شرق أوسطية الأزمة الأوكرانية وارتدادات شرق أوسطية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca