هل العالم على موعد مع منعطف تاريخي حاسم؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل العالم على موعد مع منعطف تاريخي حاسم

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

تدور فعاليات المنتدى هذا العام حول ذلك المفهوم، الذي تزخمه تصريحات بطريرك السياسة الأميركية، هنري كيسنجر، التي يقطع فيها بأن الوضع الجيوسياسي على مستوى العالم سيخضع لتغيرات كبيرة، بعد انتهاء الحرب الأوكرانية.
إنه «دافوس» في زمن الحرب التي يدعى البعض أنها ستغير شكل العالم، بالضبط كما قيل بعد غزو صدام للكويت، ثم سقوط جدار برلين، وهو عينه ما تكرر نهار الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولم يتغير التاريخ، وإنما تشهد البشرية فصولاً جديدة من مآسي البشر، لا سيما بعد أن بات مستقبلنا ومصير كوكبنا في خطر؛ فقد استطاع الإنسان أن يطلق دورة موت وهول، لكنَّه فشل في وضع حد لها.
كلاوس شواب، الأب المؤسس، يعتبر أنَّ النسخة الحالية من المنتدى، التي تأتي تحت الشعار عنوان المقال، إنما تأتي في الوقت الأنسب والأهم منذ إنشاء المنتدى قبل خمسين عاماً.
لكن الاقتصادي والمهندس الألماني الشهير مؤسس المنتدى لم يقل لنا الأنسب من وجهة نظر مَن، والأهم على أي صعيد.
غير أن الجواب لا يحتاج في واقع الحال إلى بحث معمق؛ إذ لا ينفك «دافوس» يضحي إحدى حلقات النيوليبرالية الغربية، التي أكد ناعوم تشومسكي قبل أيام أن أيامها باتت معدودات، وأن هناك حاجة ماسَّة لطريق ثالث.
يقطع شواب بأن «عدوان روسيا سيبقى في كتب التاريخ تاريخاً لبدء انهيار النظام الذي وُلِد بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة»... فهل يدفعنا هذا القول للتساؤل من جديد: أهي تنبؤات ذاتية تسعى في طريق نسج خيوط عنكبوتية لما بعد المرحلة الأولى من العولمة، تلك التي أخفقت كثيراً في أنسنة العالم؟
يصحُّ لنا التساؤل في هذا السياق، لنقول: هل الهدف الرسمي لـ«منتدى دافوس 2022»، هو دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا؟ وهل يتضح ذلك من إتاحة الفرصة للرئيس الأوكراني زيلنسكي للتحدث ضيفاً في أول يوم، ثم مشاركة فيتالي كليتشكو، عمدة العاصمة الأوكرانية كييف.
للمرة الأولى منذ عهد رجل الغلاسنوست والبريسترويكا، ميخائيل غورباتشوف، تغيب المشاركة الروسية، وعليه يتساءل أي محلل سياسي موضوعي وعقلاني: «ترى أكلاف غياب الوفد الروسي أكثر من إشكاليات حضوره؟ وإذا كان المنتدى نسخة عصرانية عن الديمقراطية الغربية؛ فلماذا عمد إلى سياسة الردع تجاه القيصر بوتين ونخبته، وليس إلى الاحتواء؟».
رئيس المنتدى هذا العام، بورغه بريندي، لم يتأخر في تقديم الجواب؛ إذ اعتبر أن استبعاد روسيا كان القرار الصحيح... من وجهة النظر الغربية ولا شك، وكأنَّ العالم بعد ثلاثة عقود من انهيار الجدار الأشهر والأخطر، الذي بُني بأيدٍ بشرية، يعود ليرتفع عالياً في العقول والقلوب، ليضحي سداً وحدّاً، ومن ثم يعود التقسيم ثانية في أوراسيا المتألمة مرة جديدة.
نحو 2500 من قادة السياسة العالمية، ورجالات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، يجتمعون في «دافوس»، ما يجعل من الحدث منصة عالمية، وإن غير رسمية، لبلورة استراتيجيات ما تبقى من العقد الحالي، وما يليه.
في «دافوس 2022» هناك حقيقة واحدة مؤكدة، وهي أنَّ الجميع يستمع إلى أصوات الألم الناجمة عن مخاض ولادة عالم جديد، متعدد الأقطاب، وليس ثنائي القطبية، كما جرت العادة منذ قرون طوال، وهناك يدرك الكل أنه مع انتشار التكنولوجيا في مختلف أنحاء العالم، فإنَّ الدبلوماسية والحرب ستحتاجان إلى محتوى مختلف، ما سيشكل تحدياً، والعهدة على كيسنجر، تلميذ بسمارك النجيب.
تبدو الملفات الموضوعة على مائدة المناقشات شبه محسومة، بدءاً من معالجة التغير المناخي، الذي يكاد يذهب بالأرض ومَن عليها، مروراً بالأزمة الغذائية العالمية، وانتشار الهلع من جوع يضرب الملايين، عطفاً على أزمة طاقة عالمية مخيفة، أوروبياً بنوع خاص، من جراء قيام روسيا بإغلاق صنابير النفط والغاز.
إضافة إلى ما تقدم هناك هواجس اقتصادية مخيفة، لا سيما الركود والتضخم العالميين القائمين والقادمين، ثم قضايا الأمن السيبراني وعالم «الميتافيرس» وغيرها.
إلا أنَّ ما يدور في كواليس «دافوس» هو الأهم والأخطر، هناك حيث يبوح البعض سراً بما لا يطيقون قوله جهراً، ومن ذلك مآلات الملف النووي الإيراني، والدور الصيني المتعاظم، والخوف من حرب أخرى بسبب جزيرة تايوان، تقود إلى مواجهة عالمية حكماً.
الأوروبيون قلقون إلى حد الرعب من أن تتحوَّل قارة التنوير والإنسانية، إلى موضع وموقع لتصدير أفكار اليمين المتطرف إلى بقية أرجاء العالم، فيما البيت الأوروبي الواحد مهترئ.
عقلاء «دافوس» وحكماؤه يدركون حالة انعدام المساواة حول العالم، والثمن الباهظ الذي يتوجب دفعه بسبب سياسات اللاعدالة الاجتماعية، والهجرات غير الشرعية، والعلاقة مع القارة السمراء، التي يمكن أن تضحي نعيماً أو تنقلب جحيماً على أوروبا.
ما يقال في مخادع «دافوس» قريب جداً من حلقات بيلدربيرغ الضيقة، الأمر الذي يعني أن العالم محكوم بتوجهات غير مرئية، وليس هذا من قبيل الترويج لفكر المؤامرة، إنما هي استراتيجيات الكبار الذين يملكون القوة.
الخلاصة... صاحب القوة هو الذي يحدد ما هو الصواب... هكذا قال السفسطائي الإغريقي، ثيراسيماخوس، المعروف لدوره في حوارات أفلاطون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل العالم على موعد مع منعطف تاريخي حاسم هل العالم على موعد مع منعطف تاريخي حاسم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca