إنذار استوكهولم... وشتاء اليأس القادم

الدار البيضاء اليوم  -

إنذار استوكهولم وشتاء اليأس القادم

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

يظل معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري»، أحد أهم مراكز التفكير الأكثر احتراماً في أرجاء المسكونة كافة، وقد نشأ في العام 1966، ويهتم بالبحث في شؤون الصراعات الدولية.
قبل افتتاح منتدى استوكهولم التاسع للسلام والتنمية الأيام القليلة الفائتة، صدر عن المعهد تقرير يمكن اعتباره إنذاراً أخيراً للبشرية المختل توازنها، وقد حمل عنواناً فريداً «بيئة السلام: الأمن في عصر جديد من المخاطر».
ملامح التقرير الجديد، تظهر الكوكب الأزرق في حالة قلق، لا سيما من تزايد الأزمات وتعقيداتها، وتطورات المشاهد على الأرض، والخوف من الانفلات غير المتوقع أو المحسوب.
كارثة إنذار استوكهولم الذي بأيدينا تتمثل في أن عالمنا في حالة طوارئ، ربما غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، في حين يقول البعض إنها تجاوزتها.
يضع التقرير العالم أمام ثنائية مثيرة للتفكر ومدعاة للتدبر، ثنائية البيئة والسلام، والتي يقول قائل مستنكراً «وما العلاقة بين الأمرين؟».
تبدو العلاقة وثيقة إلى مدى بعيد؛ فازدياد حدة الأزمات البيئية على وجه البسيطة، يدفع الأوضاع الأمنية إلى التردي، في حين عمليات إزالة الغابات وذوبان الأنهار الجليدية وتلوث المحيطات بالبلاستيك، ترفع من درجة حرارة الكرة الأرضية، وتمضي بالبشر إلى فوهة البركان الإيكولوجي المتوقع.
بنود تقرير «سيبري» الأخير تفتح الباب واسعاً لمناقشة جدلية الفقر والإرهاب، وتحذر من أنه لطالما غاب العدل، لن يوجد السلام، بدءاً من الصومال، الدولة الأفريقية التي تعاني منذ زمان وزمانين، وصولاً إلى الولايات المتحدة سيدة قيصر، في حاضرات أيامنا.
في حال الصومال، الواقعة في القرن الأفريقي، دفع الجفاف المستمر إلى جانب الفقر ونقص المؤن وضعف الحكومة، المزيد من الشباب إلى أحضان جماعة «الشباب» الراديكالية المتطرفة.
وفي الولايات المتحدة، بدا وكأن الفقر والتنمر، كانا وراء مشاعر الغضب والاضطراب العنصري التي تملكت الفتى ذا الثمانية عشر عاماً، والذي ارتكب مجزرة تكساس بعد أن قتل جدته.
في أميركا الوسطى دفع تغير المناخ إلى انعدام المحاصيل، ومع رواج الفساد، وسيادة العنف، صحت الولايات المتحدة لتجد موجات مليونية من المهاجرين غير الشرعيين على بوابتها الجنوبية؛ ما زخم نظريات اليمين الأميركي المتشدد إلى درجة التطرف، والنتيجة المرة رأيناها في حادث مدينة بافلو في نيويورك قبل بضعة أسابيع.
تبدو الآن المعادلة واضحة كل الوضوح بين الطبيعة والسلام، لدرجة أن الإضرار بأحدهما يعني من غير تهوين أو تهويل، إلحاق الضر بالآخر ووضع ضغوطات عليه.
هل فات الوقت لإصلاح المشهد الذي يتأزم يوماً تلو الآخر وليس آخره أزمة الغذاء العالمي، تلك التي حذرنا منها في قراءات سابقة من قبل؟
يذهب، دان سميث، مدير معهد استوكهولم لأبحاث السلام، إلى تبيان المفارقة القائمة كونياً والتي تزيد المشهد تعقيداً؛ ذلك أنه وفي حين أن هناك رؤساء دول وحكومات يرحبون بالتحرك لتدارك الأزمات العالمية، نجد أن الضغوط المحلية التي يقعون في سياقاتها، تجعلهم غير قادرين على مجاراة إنقاذ سفن الغير، قبل إنقاذ سفينة كل منهم.
على سبيل المثال وليس الحصر، حين تقوم الهند في وقت سابق من شهر مايو (أيار) الحالي بحظر تصدير القمح، فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار الحبوب حول العالم، على الرغم من أنها دولة مصدرة صغيرة نسبياً، لكن من يستطيع أن ينكر على حكومة الهند دورها في تأمين الغذاء لشعبها قبل أن تصدر الفائض إلى الخارج.
الأمر نفسه ينطبق على إندونيسيا والتي حظرت تصدير الزيوت لحماية مخزونها المحلي، وإن كانت هناك أخبار مبشرة بأنها سترفع هذا الحظر قريباً.
لماذا الخوف من الآخر، وهل بلغنا بالفعل العتبة التي قال فيها الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان؟».
حكماً، جاءت مخاوف الدول المختلفة من جراء توقف سلاسل التوريد، بفعل جائحة «كوفيد – 19» الشائهة مرة، وطوال عامين كئيبين، وبسبب الحرب الروسية – الأوكرانية الأخيرة مرة أخرى، والتي لا يدري أحد إلى متى سيصطلى العالم بنيرانها قلقاً في النهار، وأرقاً في الليل.
حين تتحدث كريستالينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي بالقول «إننا نواجه حشداً من المصائب، وأن الاقتصاد العالمي يواجه على الأرجح أكبر اختبار له منذ الحرب العالمية الثانية»، فإن الوضع على الأرجح حرج للغاية.
حلمت الإنسانية بعد سقوط جدار برلين بعالم من المودات، لا سيما بعد انزياح كابوس الشيوعية الذي جثم على الصدور لسبعة عقود تقريباً، لكن نظرة على النزاعات المسلحة في العقد الماضي، من 2010 إلى 2020 تبين أنه كان كابوساً وليس حلماً رومانسياً مخملياً.
وصلت النزاعات المتصاعدة خلال عشر سنوات إلى 56 نزاعاً مسلحاً، كما تضاعف عدد اللاجئين والنازحين، سيما بعد حرب أوكرانيا إلى مائة مليون.
أما على صعيد عسكرة العالم، فحدّث ولا حرج عن زيادة الرؤوس النووية في عام 2020 بعد سنوات من التخفيض، هذا قبل أن تدخل الصين إلى معترك الصراع بحزمة تصل إلى عشرة آلاف رأس نووية عما قريب.
عصر المخاطر الجديدة، يحتم نوعاً من التعاون غير المسبوق، لمواجهة تحديات غير معروفة وبخاصة من قبل البيئة، لكن التساؤل المؤلم قبل الانصراف أين هي تلك الإرادة الدولية، وهناك من يصبّ الزيت على النار لتبقى الحرب الأوكرانية مشتعلة، بل ويكاد يفتح جرحاً غائراً في جبين الصين، يمكن أن يقود لحرب عالمية نووية مؤكدة؟
عالم تنقصه الحكمة، يعني، الخوف من شتاء اليأس القادم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنذار استوكهولم وشتاء اليأس القادم إنذار استوكهولم وشتاء اليأس القادم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca