هل هى أيام ترامب الأخيرة؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل هى أيام ترامب الأخيرة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

فى الأسبوع الماضى قام أربعون عنصرا من مكتب التحقيق الفيدرالى الأمريكى باقتحام وتفتيش القصر المنيف للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى "مارا لاجو" بولاية فلوريدا. وحتى وقت كتابة هذا المقال لم يكن قد عُرفت نتيجة التفتيش، وماذا كانت أسبابه من الأصل، ولكن التعليقات حوله أشارت إلى أسباب تتعلق بنقل وثائق غير مصرح بحملها خارج البيت الأبيض؛ والبحث عن براهين لها علاقة بما فعله رئيس الولايات المتحدة أثناء أحداث ٦ يناير ٢٠٢٠ الدامية وكانت سببا فى اقتحام مبنى الكونجرس ومنعه من التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية والضرورية لتولى الرئيس بايدن لمنصبه. أيا كانت الأسباب فإن الرئيس نفسه جرى استدعاؤه للتحقيق من قبل الادعاء – النيابة – الأمريكي، وفى ٤٠٠ من الأسئلة التى وجهت إليه كانت الإجابة بالاستناد إلى التعديل الخامس للدستور الأمريكي؛ وهو التعديل الذى يعطى المتهم الحق فى رفض الإجابة على السؤال إذا كان يخشى أن الإجابة سوف تدينه. كلا الحدثين غير مسبوقين فى التاريخ الأمريكى أن يوضع رئيس خارج السلطة تحت مظلة التفتيش والتحقيق؛ ومن الجدير بالذكر أن البيت الأبيض صرح بأنه ليس له علاقة بالحدثين. ولكن الواقعتين سبقتهما واقعة أخرى غير مسبوقة وهى قيام المحكمة الدستورية العليا الأمريكية بنقض القانون الذى أصدرته بصدد قضية الإجهاض والسماح بها فى الولايات الأمريكية؛ وهو ما يسمح بنقض قوانين فيدرالية أخرى بعضها يتعلق بالانتخابات فى الولايات وكيفية التأكد من مصداقيتها. وأكثر من ذلك يفتح الباب للتلاعب بتركيب المحكمة ذاتها، حيث إن الدستور الأمريكى لم يقرر عددا لقضاة المحكمة، ولكن التجارب التاريخية قادت إلى العدد تسعة الذى بات مستقرا، ولكنها لا تمنع من منح كل رئيس أمريكى بالتلاعب فى عدد أعضاء المحكمة بحيث يتناسب مع مصالح حزبه وبرنامجه الانتخابي. المعضلة فى كل ما حدث أنه يضرب تماما فى قدس أقداس الدولة الأمريكية القائمة على احترام المؤسسات والسوابق التاريخية والفصل بين السلطات. وما حدث فعلا هو أن الرئيس ترامب وصف حدثى التفتيش والتحقيق بأنهما "مسيسين" أى أنهما قاما على أساس ليس من القانون وإنما من المصالح السياسية للحزب الديمقراطى الذى يحاول خلق الذرائع التى تسمح له بالفوز بأحد مجلسى الكونجرس فى انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر القادم. تصريحات الرئيس عبأت أنصاره فى الولايات المختلفة لكى تضيف إلى عقيدة الإنكار السابقة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة وتأكيد أنه جرى تزويرها رغم الفشل الكامل فى الحصول على حكم محكمة واحد يؤيد هذا القول من قبل الولايات المختلفة. نتيجة ذلك كله هو حدوث المزيد من الانقسام بين الحزبين الرئيسيين الجمهورى والديمقراطي، خاصة أن الانتخابات التمهيدية للحزب الأول من أجل مرشحين لجولة التجديد النصفى أدت إلى فوز نسبة كبيرة من مناصرى ترامب، أو الذين ناصرهم ترامب بالحشد وربما التمويل فى الانتخابات. فى داخل الحزب الجمهورى ذاته بدأت بوادر انقسام جديد بين أغلبية تطلب ود ترامب، وأقلية جديدة تلتف حول "ليز شيني" – ابنة نائب الرئيس السابق ديك شيني- والتى تزعمت الأقلية التى قامت من أعضاء الحزب بالتصويت لإدانة ترامب فى مجلس النواب خلال الأيام الأخيرة لولايته. هذه الأقلية لم ينجح من ترشح منها فى الانتخابات التمهيدية، وبعضها أعلن عن عدم خوضه للانتخابات من الأصل خوفا من النفوذ الثقيل للرئيس الأمريكى السابق. الانقسام الأمريكى ليس جديدا على الولايات المتحدة، فقد عانت من أشكال الفتنة فى أيام الجمهورية الأولى والحرب الأهلية بعد ستين عاما من الاستقلال؛ وإنما الجديد أن الانقسام الجارى يقوم على التشكيك فى المؤسسات الأمريكية ذاتها وشرعيتها الانتخابية والدستورية. والحقيقة هى أنه خلال سنوات حكمه الأربع فإن الرئيس ترامب لم يترك فرصة إلا ونال فيها من المؤسسات الأمريكية من الكونجرس إلى وكالة المخابرات المركزية إلى وزارة العدل وغيرها. ومن وجهة نظره فإن هذه المؤسسات مخترقة من قبل الديمقراطيين والليبراليين ضعفاء الولاء للدولة الأمريكية والمفتونين بمبادئ عالمية لا تحترمها دولة فى العالم إلا الولايات المتحدة. ومؤخرا فإن عددا من الجنرالات الأمريكيين أدلوا بشهادة قوامها أن ترامب كان يطلب منهم الولاء له شخصيا كما كان يفعل جنرالات ألمانيا مع القيادة النازية الهتلرية. الانقسام يضع فجوة ثقيلة بين الولايات الأمريكية الحمراء الجمهورية، والزرقاء الديمقراطية، فى وقت تقع فيه الولايات تحت وطأة الظروف الصعبة للحرب الأوكرانية وضغوطها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الداخل الأمريكي.فى اتجاه معاكس لهذا الانقسام فإن الحزبين الديمقراطى والجمهورى نجحا فى تمرير قانون جديد من خلال مجلسى الكونجرس يسهم فى التعامل الإيجابى مع قضية الاحتباس الحرارى الحادة، والتقليل من أثر الانبعاثات الكربونية الأمريكية خلال العقد الحالي، مع اتباع سياسات ضرائبية تؤدى إلى انتعاش الاقتصاد. هذا النوع من التوافق جديد على الساحة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، ولكن استمراره مع وجود المنافسة فى الانتخابات القادمة وسعى الحزب الجمهورى للاستيلاء على الأغلبية فى مجلسى الكونجرس يضع الديمقراطيين فى أزمة مخيفة وهى أن الرئيس الديمقراطى سوف يكون واقعا تحت المقصلة الجمهورية بالنسبة للقوانين والقرارات التى يتخذها. فهل يكون تفتيش منزل الرئيس السابق، ووضعه تحت التحقيق، إشارة إلى أن المؤسسات الأمريكية قد قررت أخيرا أن تتخلص من خطر السوابق التى تحيط بالرئيس الأمريكى بعد خروجه من السلطة وتضعه فى دائرة من التقدير والمهابة الواجب احترامها. وببساطة فهل ما حدث هو نوع من العمليات التصحيحية التى تقوم بها الديمقراطيات لإصلاح وترميم ذاتها؛ أم أن الولايات المتحدة على أبواب عصر جديد يؤدى إلى التمهيد لانتخاب ترامب فى ٢٠٢٤ ذاته مرة أخرى لفترة ثانية؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هى أيام ترامب الأخيرة هل هى أيام ترامب الأخيرة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca