زيارة جديدة لمبادرة السلام العربية

الدار البيضاء اليوم  -

زيارة جديدة لمبادرة السلام العربية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

عشرون عاماً مضت على «المبادرة العربية للسلام العربي – الإسرائيلي»، منذ تم إقرار المبادرة السعودية في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت في 28 مارس (آذار) 2002. وكما هو معلوم فإن المبادرة مثلت صفقة تاريخية بين العرب والإسرائيليين قوامها الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في يونيو (حزيران) 1967 مقابل سلام شامل وتطبيع كامل بين الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية وإسرائيل. وعلى مدى عقدين من السنين مضت، كما يقال، مياه كثيرة تحت الجسور في المنطقة وخارجها، وتغير النظام العالمي إلى الشكل الذي نشاهده اليوم، أما الإقليم العربي والشرق أوسطي فقد تغير هو الآخر عدة مرات حتى وصل إلى الشكل الذي سميناه في مقال سابق «الشرق الأوسط الجديد».
وحده الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الذي بقي على حاله من صدام يعلو ويخفت. وبينما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية مستعرة وقت إصدار المبادرة وما واجهها من عنف إسرائيلي حاد، فإن مسار الصراع تضمن أربع حروب في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021. عرفت كل حرب منها بحرب غزة. وفي الواقع فإن ما سمي طوال العقد الأخير من القرن العشرين بعملية السلام العربية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدودة، ولم يكن ذلك لنقص في المحاولة والمبادرة، وإنما لفشل كل المبادرات الدولية والإقليمية التي حاولت التوصل إلى حل إبان الإدارات الأميركية المتعاقبة، وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الروسي. تكسرت كل هذه المحاولات بسبب استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ناحية؛ والانقسام الفلسطيني إلى وحدتين سياسيتين؛ واحدة في الضفة الغربية تحكمها السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة من منظمة التحرير الفلسطينية طبقاً لاتفاق أوسلو، والأخرى في غزة وتحكمها حركة «حماس» المنبثقة عن حركة «الإخوان المسلمين» المعارضة لاتفاق أوسلو.
ومن المعلوم أن «اتفاق أوسلو» كان هو الذي وضع حجر الأساس للاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والدولة الإسرائيلية؛ وللمفاوضات بين الطرفين من أجل تنفيذ حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لكي تعيشا جنباً إلى جنب في سلام ووئام.
ولا توجد نية هنا لتفصيل كل ما جرى، ولا المساحة بالتأكيد تسمح، وكل ما يمكن عمله هو الولوج إلى ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأنه ببساطة جزء من الإقليم، وفي ذاته توجد الجذوة الدائمة من أجل إشعال حروب في المنطقة. ما نريد التأكيد عليه في هذا المنعطف هو أولاً أن خلاصة السنوات القليلة التي مضت في المنطقة من العقد الحالي بالنسبة لدول المنطقة، هي أن عليها أن تعتمد على نفسها في التعامل مع قضايا الإقليم.
وثانياً أن هذا الاعتماد على الذات قد أنتج إعادة المياه إلى مجاريها بين عدد من الدول العربية وقطر، وقيام تفاهمات بين دول عربية (وكذلك إسرائيل) وتركيا، وفتحت قنوات ومباحثات بين دول عربية وإيران؛ وفتح كل ذلك الباب لإقامة الهدنة ووقف إطلاق النار في اليمن لمدة شهرين يبدو فيهما ضوء عند نهاية النفق. وثالثاً أن واقع الصراع العربي الإسرائيلي لم تنتهِ فقط صفته «الوجودية» وإنما فتحت فيه الأبواب لأشكال مختلفة للمنافسة أو التفاهم حول سبل العيش سوياً.
ورابعاً أن اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية لم تعد تقتصر على سلام مصر والأردن مع إسرائيل مضافاً لها اتفاق أسلو الذي أقام أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية في التاريخ، وإنما جرت أربع اتفاقيات أخرى لسلام إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب.
وفي التجربة القديمة التي استمرت لعقود عدة، والتجربة الحديثة لسنوات قليلة، فإن الأطراف المتعاقدة احترمت الاتفاقيات التي عقدتها. وخامساً أن نوعاً من «الإقليمية الجديدة» بدأ في الظهور يقوم على أشكال عدة من التعاون في موضوعات وقضايا تتشابك فيها المصالح المشتركة في الأمن والتكنولوجيا والتنمية بشكل عام. وبينما دار «منتدى غاز شرق المتوسط» حول الطاقة في عمومها، فإن «لقاء النقب» الأخير بين وزراء خارجية مصر وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب اشتمل على بحث أمور الأمن والطاقة، والسياحة، والصحة، والتعليم، والأمن الغذائي والمائي. ولم يكن هذا التوجه التعاوني بعيداً عن مبادرات أخرى للشام الجديد، ومد لبنان بالغاز عن طريق «خط الغاز العربي».
وسادساً أن هناك متغيرات مثيرة على الساحة الفلسطينية تبدأ بالاتجاهات الجديدة داخل الفلسطينيين في إسرائيل ذاتها، ولا تنتهي بالتعاون بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، وعمليات الاندماج الجارية أمنياً واقتصادياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوجه عام تقرب من حلول الدولة الواحدة أو الحل الكونفيدرالي.
هذه المتغيرات كلها تدعو إلى زيارة أخرى لمبادرة السلام العربية تبدأ من الصف العربي نفسه الذي سوف يكون مدعواً إلى تفعيل هذه المبادرة على ضوء كل ما سبق، بحيث تدعم ما هو إيجابي وتبتعد عما هو سلبي. وبمعنى آخر فإن الزيارة لن تكون إضافة مرة أخرى إلى سلسال المفاوضات العقيمة التي أخذت أشكالاً شتى دولية وإقليمية، وإنما تُفَعّل توجهات السلام والتعاون والأمن الإقليمي ونزع العنف والتطرف عن المنطقة. ومن الممكن أن تكون المسارات ثنائية كما يحدث حالياً بين دول عربية وأخرى إقليمية، وأن تكون المسارات مرتبطة بأشكال من التعاون كما حدث في شرق المتوسط حول الغاز والنفط، ويمكن أن يحدث في شمال البحر الأحمر حول السياحة والطاقة. هذه المبادرات لا تضع فقط إطارات للتعاون بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنما أكثر من ذلك تفتح الأبواب لمبادرات إقليمية أوسع لإنهاء الأزمات العنيفة في المنطقة في سوريا واليمن وليبيا، وخلق مجالات وخطوات لإنتاج الدولة الفلسطينية المستقلة.
فمن الثابت أن خمسة وسبعين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بعده الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لن تصل إلى نتائج ملموسة في الأمن والعيش المشترك والتعاون الإقليمي إلا عندما يكون المناخ سلمياً يسمح بحركة الأسواق وتفاعل النخب السياسية، والنظر إلى القضايا المختلف عليها من منظور إقليمي تقع فيه التهديدات التي ينبغي تجنبها والفرص التي ينبغي انتهازها. وقبل عقدين تقريباً شاركت مع زميل في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد «شاي فيلدمان» في إنتاج بحث عن تأثير البيئة السياسية أو Ecopolitics على تغيير المحتوى الإقليمي لعملية السلام العربية الإسرائيلية، وكان التركيز وقت صدور الدراسة في 29 أغسطس (آب) 2003 على مبادرة السلام العربية. وقتها حاولنا دمج المبادرة فيما سمي في ذلك الوقت «خريطة الطريق» للسلام والتي خرجت من رحم «الكوارتيت» أو الرباعية الدولية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة). الآن ربما كان على المبادرة العربية أن تخرج من رحم التطورات الإقليمية الراهنة بحيث تعطيها الإطار الإقليمي والشمول الموضوعي الذي يجعلها أكثر فاعلية مما سبق من محاولات. ولعل نظرة إلى تاريخ رياح السلام في المنطقة تكشف أن أكثر المبادرات نجاحاً كانت هي التي خرجت من رحم مبادرات إقليمية كما حدث مع مصر والأردن وإسرائيل قديماً، ودول السلام الإبراهيمي حديثاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة جديدة لمبادرة السلام العربية زيارة جديدة لمبادرة السلام العربية



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 19:28 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 18:18 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب المنتخب المغربي يحسم اللائحة الأولية لمونديال قطر

GMT 07:55 2018 الخميس ,24 أيار / مايو

سمر مبروك تطلق مجموعة جديدة من أزياء رمضان

GMT 05:20 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فيصل فجر يؤكد أن كرسي الاحتياط لا يزعجه في خيتافي

GMT 16:10 2017 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

وسائل إعلام إسبانية تكشف انفصال شاكيرا وبيكي

GMT 05:47 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نفوق حيوان بحري من نوع الحوت الأحدب في شاطئ القحمة

GMT 00:16 2017 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

صور صدام حسين تلهب مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 14:36 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الأسرة الملكيّة تحتفل بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء الأربعاء

GMT 20:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وقفة احتجاجية لذوي الاحتياجات الخاصة فى مراكش

GMT 16:35 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

باوتيستا تتأهل إلى ثاني أدوار بطولة بازل للتنس

GMT 03:59 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

عناصر مهمة لديكورات حمامات فخمة تخطف الأنظار

GMT 19:58 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سلامة يشكر إذاعة "إينرجي" بعد تتويج مسلسل "طايع"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca