تخيل العام الجديد

الدار البيضاء اليوم  -

تخيل العام الجديد

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

أدعي أن أكبر عجز في منطقتنا ليس عجز الموازنة العامة أو عجزاً في الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل إن العجز الأكبر هو عجز في الخيال، وقدرة الناس على تخيل عالم أفضل يبدأ من الفرد وينتهي بالوطن، فالعالم ينفرط أمامنا بقدر خيالنا، فمن يستطيع أن يتخيل عالمه يحدث أمامه. ولكن للقدرة على الخيال متطلبات وقواعد.
أول متطلبات الخيال الواعد هي القدرة على الخروج من السجون، وبالسجون هنا أعني سجون العقل ومخاوفه وعثراته. وهنا سأستغل جزءاً من المقال لأحكي قصتين ذواتي مغزى لتوضيح فكرة سجن العقل. القصة الأولى تقول بأن سجاناً قال للسجين سأترك لك فتحة في الزنزانة وهذا قدوم ربما سيساعدك في البحث عنها، إذا ما وجدتها فأنت حر طليق لا غبار عليك، وإن لم تجدها فليس من بد إلا أن تقضي مدة العقوبة داخل هذه الزنزانة الضيقة. وقضى السجين ليلته يحفر في حيطان الزنزانة بحثاً عن المَخرج حتى خارت قواه. ولما رآه السجان في الصباح مكوّماً في ركن من الزنزانة وقد أضناه التعب طلب منه الوقوف، صاح السجين بغضب قائلاً: ما تلك المزحة السمجة، فلو كنت تريد عقابي كان من الأفضل أن تقول لي إن عليَّ أن أحفر طوال الليل، فردّ السجان: لم تكن نكتة سمجة، فقد تركت لك الباب مفتوحاً! ولكنّ عقل السجين لا يستطيع أن يتخيل أنه من الممكن أن يكون الباب مفتوحاً.
القصة الثانية هي ملخص لقصة قصيرة كتبها الروائي الأميركي ما بعد الحداثي دون داليللو بعنوان «العدَّاء» the) runner)، وملخصها أن رجلاً قد تعود أن يعدو من بيته حتى حدود الحديقة العامة، وكان يمارس هوايته في الجري قبل غروب الشمس، ومتى ما وصل عند الحديقة العامة رأى لافتة مكتوباً عليها «الحديقة مغلقة بعد غروب الشمس»، ولم يكن على الحديقة أسوار أو بوابات إلا هذه اللافتة المكتوبة، كلما وصل عندها العدّاء استدار وعاد من حيث أتى ولم يجرؤ على الجري في مساحة الحديقة الشاسعة، فقط لأن الشمس قد غربت واللافتة تقول إن الحديقة مغلقة، لم تكن هناك أسوار فيزيائية على الأرض، ولكن الأسوار كانت عالية داخل رأس العدّاء. فلكي يخطو أحدنا خطوة غير مألوفة، فإن ذلك يتطلب تحطيم أسوار زنازين العقل التي طُبعت فينا بحكم البيئة أو الأسرة أو السرديات المهيمنة التي تجعل مجرد التفكير في اتخاذ خطوة واحدة إلى الأمام أمراً غير ممكن.
ضيق الخيال وضيق الأفق هو العجز الأكبر الذي يتملك من عقولنا المفردة وعقولنا الجمعية. و«.. ما ضاقت بلاد بأهلها».. ولكن عقول الناس تضيق دوماً بحكم العادة وحكم الخوف.
الخوف هو واحدة من فرامل الخيال التي نضغط عليها لا إرادياً، وهذا ما يجعل خيالنا محدوداً أو في أحسن الحالات مهزوزاً.
الخيال أمر مختلف عن التهيؤات أو الخلط الذهني. الخيال أمر فيه وضوح جليّ، تعرف أنك خارج نطاق الخيال، وأنك دخلت عالم التهيؤات والخلط الذهني عندما ترى السراب ماءً. الخيال يفرّق بوضوح بين الماء والسراب.
إن أهل المنطقة مطالبون بتحطيم سجون العقل، وبالابتعاد عن الخلط الذهني الذي يجعل من السراب ماءً، من أجل مخيال أوسع يفتح أمامنا آفاقاً أوسع في بناء تصورات للمستقبل، تصورات وخيالات تجعل من المستحيل ممكناً. في السياسة يكرر العرب عبارة مكرَّرة أساسها أن السياسة هي فن الممكن، لكن الحقيقة هي أن السياسة هي فن الـ«مش ممكن» بمعنى القدرة على تخيل ما ليس ممكناً وتحويله إلى الممكن. جعل الله عامكم الجديد خصيبَ الخيال على مستوى الأفراد والأمم، وكل عام وأنتم بخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخيل العام الجديد تخيل العام الجديد



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca