خطيب الجامع يسرق الكاميرا

الدار البيضاء اليوم  -

خطيب الجامع يسرق الكاميرا

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

الحياة في الكثير من أنماطها ينطبق عليها قانون «الأواني المستطرقة»؛ يرتفع المنسوب في واحد فينطلق إلى الآخر، بدرجة متساوية. في الكثير من المظاهر الاجتماعية، نلاحظ دائماً أن هناك قدراً لا يمكن إنكاره من التأثر.
نتابع حالة الانفلات اللفظي التي سيطرت على عشرات من الفضائيات، خصوصاً الكروية منها، ومع تكرارها فقدنا في مواجهة الكلمات النابية، فضيلة الاندهاش. عدد كبير من التجاوزات صار يخترق البيوت من دون استئذان. الدهشة هي أول حائط نفسي، إنها القميص الواقي ضد البذاءة، وعندما يسقط هذا الحاجز فهذا معناه أننا منحنا غطاءً شرعياً للكلمة التي كنا قبل قليل نطلق عليها مستهجنة، فصار بينها وبين آذاننا حالة من التعايش السلمي، وهذه هو المأزق الكبير الذي نعيشه الآن.
أصدرت المحكمة قبل أيام قراراها بإدانة خطيب جامع، والعقوبة هي «التنبيه» حتى لا يكررها، وهي تعني الكثير، خصوصاً عندما توجَّه إلى موظف عام يحمل درجة «وكيل وزارة»، حتى لو كانت أقل أنواع الجزاءات في القانون.
خطيب الجمعة قال في دفاعه إنه كان يرد على المصلّين الذين لم يستحسنوا رأيه في واحدة من القضايا المثارة إعلامياً واختلفت فيها الآراء، ووجهوا إليه وهو على المنبر اتهاماً بأنه ينافق الحكومة ويردد ما يُملى عليه من المسؤولين، وأن هذه ليست قناعاته، فقال لهم: «اللي مش عاجبه الخطبة يمشي»، وهذا يعني ضمنياً حرمانهم من أداء فريضة الصلاة، كما أنه لم يكتفِ بهذا القدر، فاتهمهم بالتطرف الديني، ومَن وجَّه إليه كلمة ردَّ عليه بأسوأ منها.
انفلت إمام الجامع، حتى لو أنه كان كما قال خلال المحاكمة إنه في حالة دفاع شرعي عن النفس، بسبب قسوة الكلمات التي انهالت عليه، إلا أن الوجه الآخر للصورة كان يفرض عليه ألا يذهب إلى ملعبهم، بل يأخذهم إلى ملعبه، ويردّ عليهم بالحسنى، فلا يمكن أن يصل التراشق اللفظي إلى حد أن يطلب منهم مغادرة الجامع، فهو لا يقدم عرضاً مسرحياً حتى يصبحوا أمام خيار باستكماله صامتين أو استرداد ثمن التذكرة والخروج قبل إسدال الستار.
أتصور أن ما رأيناه هو أحد توابع زلزال ما يجري من انفلات عبر الفضائيات، ويقتحم بيوت الناس، فانتقل طبقاً لقانون «الأواني المستطرقة» إلى الجامع.
كثيراً ما نتابع مؤشر «الكود» الذي تطلقه دائماً المجالس الإعلامية المتخصصة، وبين الحين والآخر يتقدم البعض أمام جهات التحقيق باتهام مخالفة «الكود».
هناك إحساس بأن تلك المعايير انتقائية وغير مطبقة علي الجميع، وينطبق عليها التعبير الشهير «القانون مايعرفش زينب»، الجملة التي أطلقها فؤاد المهندس الذي أدى دور محامٍ في مسرحية «أنا وهو وهي»، وبالطبع نكتشف أن القانون ينسى كل الأسماء ولا يعرف سوى «زينب»!
تعامل الشيخ مع المصلين طبقاً لقاعدة قانون نيوتن: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد في الاتجاه»، بل تجاوز حتى نيوتن في ردود أفعاله التي تجاوزت الأفعال.
يبدو أن خطيب صلاة الجمعة اختلط عليه الأمر، فتناسى أنه يقف على منبر الجامع واعتقد أنه في الاستوديو، ويجب أن ينتصر في نهاية اللقطة، ويسرق الكاميرا من الجميع!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطيب الجامع يسرق الكاميرا خطيب الجامع يسرق الكاميرا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca