يرصد خطايانا عندما لا نرى دموع الآخرين!

الدار البيضاء اليوم  -

يرصد خطايانا عندما لا نرى دموع الآخرين

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

في مصر بدأت أقرأ عمن أطلق عليهم أو أطلقوا على أنفسهم (شرطة الموضة)، عدد من الزملاء يتابعون ملابس النساء في الحفلات منوط بهم تحديد ما هو لائق ومحتشم وما هو دون ذلك، ولو وقع المحظور، وشاهدوا ما دون ذلك يفتحون، بلا أي تردد، زخات من النيران التي تمس السمعة، وتهتك العرض.

ولا أدرى حقيقة ما الذي يمنح أي إنسان مشروعية الحكم على الآخرين، هل فجأة استيقظوا صباح ذات يوم فاكتشفوا جدارتهم دون كل البشر للقيام بهذا الدور؟ (الترمومتر) الزئبقى الذي يوجه تلك الأحكام الأخلاقية متغير ولا يخضع لشىء إلا للمزاج الخاص.

ما هي بالضبط المعايير التي يستندون إليها؟ هل هم مثلا يعتبرون أنفسهم جهة تابعة (للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) التي كانت تمارس نشاطها في المملكة العربية السعودية ولديها صلاحية العقاب في الشارع، لمن تراه متجاوزا، أنهت المملكة، قبل بضع سنوات، هذا كله في عهد الملك سلمان وولى العهد محمد بن سلمان، وأصبح الإنسان هو المسؤول عما يرتديه.

على الجانب الآخر وجدنا في بلادنا من يمارس هذا الدور، بل إحدى النقابات الفنية يعلو، بين الحين والآخر، صوت نقيبها محددا عددا مقننا بـ(السنتيمتر) الحدود المقبولة للفستان فوق الركبة وأيضا فتحة الصدر، حتى لا تتعرض من ترتدى الفستان للمساءلة القانونية أمام النقابة، الأدهى أن بعض الزملاء في دائرة الإعلام صاروا هم الشرطة، وهكذا ترصدوا لياسمين صبرى وبعدها لمنى زكى في (كان)، نعم تضاءل تواجد نجومنا في المهرجان ليس لدينا فيلم في أي من التظاهرات، تعودنا أن قطاعا من النجوم كانوا يحرصون، قبل نحو خمس سنوات خلت، على الذهب إلى (كان) كل عام، في السنوات السبع الأخيرة بات التواجد شحيحا جدا، ولن تعثر إلا فيما ندر على نجمة مصرية أو عربية، والأسباب متعددة ليس قطعا بسبب (شرطة الموضة)، وهى حكاية أخرى تستحق التوقف عندها في إطلالة قادمة، وعلينا الآن أن نكمل حكايتنا مع أفلام المهرجان، الذي أعلنت جوائزه مساء أمس في دورته الاستثنائية (الماسية) التي تحمل رقم (75)، وتميزت بارتفاع مستوى الأفلام، لو قارنتها مثلا بآخر مهرجان دولى مثل (برلين) الذي أقيم في فبراير الماضى، برغم أن العالم سينمائيا شهد تراجعا، إلا أن إدارة المهرجان نجحت في انتقاء الأفضل.

البحث عن فكرة هي دائما منصة البداية في كل أنواع الفنون، وعندما يمتلك المبدع موهبة التحليق بعيدا عن الصندوق الدرامى المتعارف عليه، يسجل ولا شك، هدفا لصالحه، يطلقون عليها توصيف (براعة الاستهلال)، نعم بين أكثر من عشرين فيلما تتسابق تشكل نقطة البدء تحديا استراتيجيا، أمام صانع الفيلم وهكذا بدأ الفيلم البولندى (إيو) عندما رأينا الدنيا بعيونه، أقصد الحمار الطيب (إيو)، EO.

الشريط السينمائى يقع في قالب درامى شهير (سينما الطريق)، أي أن البطل يتحرك من مكان إلى آخر وطوال الرحلة نتعرف على دوائر مختلفة وهو ما يمنحنا مشروعية تحليل المجتمع، البوصلة لدينا هي البطل، آخر عمل فنى مصرى يقع في هذا الإطار هو (أبوصدام) لنادين خان بطولة محمد ممدوح، تتبعنا رحلة سائق (تريلا) عندما كنا نُطل بعيونه على الدنيا.

هذه المرة في الفيلم البولندى الإيطالى المشترك يوجهنا الحمار (إيو) لكى نرصد الحياة بعيونه،ويعتمد المخرج على توظيف نظرات الحمار، لكى تنقل لنا بالمونتاج العبقرى الحالة بكل تنويعاتها الاجتماعية والسياسية والنفسية، كانت عيون الحمار التي نراها بين الحين والآخر في لقطات قريبة، معبرة قطعا بذكاء المخرج في توظيف اللحظة، لأنها دائما مشحونة لتقديم إجابة بكل التساؤلات داخل المتفرج.

لم توجه للحمار بالطبع دعوة السجادة الحمراء، إلا أنه كان هو الحاضر الغائب، كما أن المخرج البولندى، جرمى توماس، حرص على أن يرفع صورته أثناء حفل استقبال الفيلم في قاعة لوميير، وكأنه يقول للجميع هذا هو البطل، وبالمناسبة في إحدى المسابقات الموازية قبل بضع سنوات في (كان) منحوا كلبا جائزة، وحرص على ارتداء (ببيون) تليق بالمناسبة، كما أنه انحنى أمام الجمهور بعد أن صفق له الحضور.

كثيرا ما شاهدنا الحمار في أفلامنا، وبينها (أربعة في مهمة رسمية) لعلى عبدالخالق، وكان الحمار أحد أفراد تلك المهمة مشاركا أحمد زكى البطولة، هذه المرة الأمر مختلف، الحمار هو البطل، التتابع السينمائى هو معادل مرئى ومسموع ومحسوس لما يراه الحمار، الذي يضفى بهجة وشجنا من خلال عيونه على الأحداث.

فصيلة الحمير تمنح الكثير للبشر دون انتظار مقابل، يعتقد البعض أن سعد الصغير هو أشهر من غنى للحمار (بحبك يا حمار)، الحقيقة أن شادية فعلتها قبله عندما داعبت حمارها قبل 70 عاما قائلة (شى يا حمارى/ حا يا حمارى/ قلبى عليك من طول مشوارى) تأليف مأمون الشناوى وتلحين محمود الشريف، وذلك في فيلم (آمال)، والحمار الأكثر شهرة قطعا حمار جحا والأكثر احتراما حمار الحكيم.

بينما الحمار البولندى فأنا أراه سيحتل مكانة متميزة لخصوصية الفيلم، النقطة الفارقة هي أن السيرك يضطر للاستغناء عن الحيوانات، استجابة لضغوط جمعيات الرفق بالحيوان ومنظمات أخرى تعتبر عمل الحيوانات مخالفا للدساتير في العالم كله، خاصة أنها تتعرض للأخطار بسبب الألعاب النارية التي تشارك فيها، كما أنها مقابل حصولها على الغذاء تفقد حريتها، وهكذا يتغير حال الحمار البطل من الاعتماد على الغير في توفر المأكل والمبيت، ليصبح مسؤولا عن نفسه، وهو أيضا ما يرسم هامشا موازيا لما يشعر به المتلقى أثناء مشاهدة الفيلم.

المخرج لجأ كثيرا إلى الموسيقى لتتولى هي التعبير عما تقوله عيون الحمار، لتنقل لنا مشاعره وأحلامه وأيضا إحباطاته، تلك هي اللمحة الخاصة التي تمنح الفيلم مشروعية اقتناص جائزة (أكتب هذا الرأى قبل إعلان لجنة التحكيم النتيجة) هي أن الشاشة مبهجة رغم مساحات الشجن، والمخرج حافظ على تدفق الإيقاع الضاحك والشجى في آن واحد.

تعودنا مع كلمة النهاية لكل مهرجان أن يظل بداخلنا ومضات من أعمال فنية تبقى قادرة على الصمود طويلا لأنها، ببساطة، تشاهدنا قبل أن نشاهدها وعلى رأسها قطعا (EO)!!.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يرصد خطايانا عندما لا نرى دموع الآخرين يرصد خطايانا عندما لا نرى دموع الآخرين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca