مفكرة القرية: نزوة الخوارج

الدار البيضاء اليوم  -

مفكرة القرية نزوة الخوارج

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

يسميها جدّي، مازحاً، الخوارج. الفترات المفاجئة التي تخرج عن نظام الفصول والتزام الطبيعة، كأن يظهر حرّ شديد في الشتاء، أو يهطل مطر هائل كالجدران في الصيف. قليل ما يحدث ذلك. وعندما نطلع معاً إلى الكروم لا نحمل من سبل الحماية سوى قبعة القش. ويفرح جدي فرحاً شديداً بقبعته العريضة، التي تذكّره بسنوات غربته في المكسيك. أحب جدي مغترباته حباً كثيراً. وروى ذكرياته عنها في ودّ شديد وفرح واضح. وكانت كلها ذكريات متواضعة، وبلا أحداث. وربما أخفى منها ما له علاقة بالنساء ذوات الشعر الفاحم في قرى المكسيك النائية، التي كان يصلها على حصانه، محمِّلاً في سرجه المزخرف أدوات صغيرة للبيع.

كنت لا أزال نائماً على الحصيرة في الدار عندما أيقظني برفقه المعتاد: يجب أن تقوم قبل أن تطلع علينا الشمس. نهضت مسرعاً. وإذ بدأنا الرحلة القصيرة إلى الكروم، أخذت الشمس تشرق على التلال قبالتنا. وبدونا، هو وأنا، بالقبعات، كما لو أننا في مشهد من فيلم سينمائي قديم.

الحقيقة أنه مشهد يتكرر كل يوم. لا تنضب حكايات جدي عن غربته الأولى في المكسيك، والثانية في فلنت، ميشيغان. ناهيك بالقصص التي قرأها في كتب التراث. لا يتغير الروتين اليومي في الكروم. يفتح صهاريج المياه. يشحّل العرائش. يحكي عن مكارم الأخلاق. وهكذا نمضي الوقت الجميل قبل أن ينتصف النهار، ونعود إلى البيت، حيث تتربع جدتي في قلب الدار بين المساند مثل شيخة قبيلة من أهل البادية.

كان جدي يتقدمني قليلاً عندما بلغنا الصنوبرة الكبرى. فجأة، توقف والتفت إلى الوراء كأنه يبحث عمن يطارده. وجدي الذي لم أسمعه مرة يتلفظ بكلمة غاضبة، تطلع في أعالي التلال وقال هامساً: اللعنة. إنها الخوارج. وما إن أكمل جملته حتى نزل العتم من السماء، وظهرت غيوم سوداء تتسارع كأنها تبحث عن ملجأ. ودبّ في المكان صقيع، ومرت طيور هاربة على غير هدى. ثم هبت الريح من كل الأمكنة. وتهاوت أغصان الشجر، وتكسر بعضها وهو يثقل نحو الأرض. ثم أخذت الريح تشتد كأنها تريد أن تدفع الجبال أمامها، وتحول المطر فيضاناتٍ محملةً بالتراب الأحمر كالدماء، وتحولنا، جدي وأنا، خرقاً تعصرها المياه. وأخذت العاصفة تتراجع، والغيوم تنسحب، والمطر يتباطأ. ونظر جدي إلى السماء ممتناً، وقال وهو يضع يده على كتفي: لا تخف. مجرد نزوة من نزوات الخوارج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية نزوة الخوارج مفكرة القرية نزوة الخوارج



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 07:54 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:12 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

محاضرة فيديو للاعبي "يد الأهلي" قبل نهائي بطولة أفريقيا

GMT 01:15 2014 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

صمَّمت حليّ الاطفال من قماش الجوخ والجينز

GMT 12:26 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

مولودية وجدة يتعاقد مع نجل مديره الفني كركاش

GMT 12:29 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

محرك البنزين ذو 1.5 لتر يواصل الظهور في "فولكس"

GMT 21:02 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

قرود صغار تداعب عدسات المصوِّرين في بالي

GMT 13:04 2014 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

كشف سرطان الثدي المبكر ينقذ 90% من الحالات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca