أما عن العملة!

الدار البيضاء اليوم  -

أما عن العملة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

عندما كان الجنرال ميشال عون قائداً للجيش اللبناني كان يردد دائماً أن حماية لبنان في أمرين: الأمن والعملة. أي النقد أو الليرة. والآن على مسافة شهرين من نهاية عهده تجاوز سعر الدولار 32 ألف ليرة بعدما كان في بداية العهد 1500 ليرة. ويحمل اللبنانيون في مداولاتهم اليومية أوراق «العملة» كما كان يفعل الصربيون خلال حرب يوغوسلافيا، عندما طبع سلوبودان ميلوسيفيتش ورقة المليون دينار. ثمن فنجان قهوة. لكنها قهوة من نقيع الشعير وليس من البُن، مثل تلك التي كان يشربها الألمان والنمساويون غداة الحرب العالمية الأولى.
يقول ستيفان زفايغ في وصف التضخم الذي ضرب النمسا وألمانيا آنذاك إن دزينة البيض في ألمانيا أصبح ثمنها 4 مليارات مارك. وأصبحت سرعة التضخم في ألمانيا أكثر مائة ألف مرة منها في النمسا. بعد غياب سنة واحدة عن بيروت، وجدت أن عادات الناس قد تغيرت. مشهد الرجال يحملون كميات ضخمة من فئة المائة ألف ليرة، لتسديد فاتورة بسيطة. في عيادة طبيب شهير طلبت مني السكرتيرة 700 ألف ليرة، وسألتها كم بالدولار، قالت 25 دولاراً.
الأطباء هم الأكثر هجرة. أخبرت عن أستاذ مدرسة متقاعد مات جوعاً لأنه كان يعيش حياة مستورة من معاشه البالغ 800 ألف ليرة. الآن لا تكفي حياة يومين. طاعون التضخم هو أسوأ ما ضرب لبنان في سنوات العهد الماضية. ولكن اللبناني الغاشم سياسياً وفي اختيار سياسيين أخلاقيين، هو نفسه ملأ لبنان شيكات مساعدة اجتماعية ومتطوعين بلا حدود. وثمة مجاعة صامتة يداريها أهل الخير بينما تلعلع أصوات أهل الفجور السياسي كأن شيئاً لم يكن.
يقال الآن إن الدولة قد تطبع ورقة المليون ليرة، كما فعل صدام حسين وسلوبودان ميلوسيفيتش وطغاة أميركا اللاتينية. وبذلك، يخفّ عبء حمل الورق. أما عبء الحياة فلا يبدو في الأفق سوى المزيد منه. لم يحدث في تاريخ لبنان المعاصر أن تقاتل الناس على طوابير الخبز. ولا شاهدنا اللبناني مرة في مثل هذه الثياب الرثة كاشفة ذل التسوّل.
يقول زفايك في وصف بلاده في تلك الأيام: «كان الخبز فتائت سوداء طعمها مثل طعم القار والغراء، والشوكولاته مثل رمل ملون. وكان أحد الأولاد يطلق النار على السناجب في حديقتنا من أجل عشاء الأحد. وارتدى الناس على الدوام ثياباً قديمة أو ثياب القتلى من الجنود».
منظر آخر يبدو مستعاراً في بيروت من فيينا: المحلات المغلقة والمحلات الفارغة على وشك الإغلاق، والمدارس التي لا تلامذة ولا معلمون ولا أهالٍ قادرون على دفع الأقساط وشراء القرطاسية. لكن الحل قادم لا ريب فيه، فقد أعلن الرئيس عون أنه وضع لخلفه خريطة طريق يسير عليها لكي يستكمل ما حققه هو حتى الآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أما عن العملة أما عن العملة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca