بجع أسود

الدار البيضاء اليوم  -

بجع أسود

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

عودة إلى كتاب نسيم طالب الشهير «البجعة السوداء». في ذلك الكتاب (2007) الذي لا تزال طبعاته تتكرر في لغات كثيرة، يعدد طالب الأحداث التي وقعت في العالم ولم يكن يتوقعها أحد. ومنشأ المثل أن الناس كانت تعتقد أن طائر البجع لا يكون إلا أبيض الريش، إلى أن تم اكتشاف أسراب منه في غرب أستراليا سوداء الريش، ولم يعد من الممكن استخدام المصطلح مثالاً على الأشياء المستحيلة. وعرض طالب سلسلة من الأحداث التي غيّرت مجرى التاريخ والناس ترفض احتمالها، مثل الزلزال المالي الذي ضرب العالم في القرن الماضي.
كان لنا أن نرى البجعة السوداء بأعيننا خلال أقل من ثلاث سنوات على مدى العالم أجمع. المرة الأولى حين نفثت وطاوط (خفافيش) سوق الطيور في مدينة ووهان الصينية فيروسات قلبت حياة الكون، وسميت «كوفيد - 19»، أو «كورونا»، التي لا تزال تتوالد من متحول إلى متحور، تجتاح البلدان وأنحاء المسكونة، وهي إلى الآن، لا تُرى إلا في المختبرات وبالمكبرات المجسمة. هد الفيروس الخفي حركة الاقتصاد الكوني، وشل أكبر حركة نقل وتنقل في التاريخ، وزعزع أكثر الاقتصادات حصانة مثل الصين واليابان، وأرهب أكثر الدول قوة مثل روسيا، وغيّر في طرق التعليم المستمرة منذ أيام أرسطو، وزاد الدول الفقيرة فقراً.
بجعة سوداء ولدت من خفاش كريه المنظر يلقب «الفأر الطائر»، وبعكس الطيور الجميلة له صوت منفر وألوان مقززة فلا تغريد بل أزيز. وما أن بدأت بجعة «كوفيد - 19» في الانحسار، وعادت حركة الحياة في هذا الكون إلى رشدها قليلاً قليلاً، حتى ظهرت بجعة سوداء ضخمة في سماء أوروبا تترك رفرفة أجنحتها الضخمة الصدى في أنحاء العالم.
بدل أن تظهر في لبنان بجعة سوداء واحدة هبط عليه سرب من البجع الأسود والغربان. من كان يتوقع، مثلاً، انفجار مرفأ بيروت بـ200 قتيل وستة آلاف جريح و300 ألف مشرد؟ ومن كان يتوقع أن تعتقل الدولة أهالي الضحايا بمذكرة من وزير العدل، لأنهم طالبوا بمحاكمة المسؤولين؟
منذ ثلاث سنوات لم يعد يحلق في أجواء لبنان سوى البجع الأسود: المال والاقتصاد والتعليم والمصارف والقضاء والبيئة وجبال القمامة وبحار الزبالة والمستشفيات والكهرباء والطرقات والجوع، والآن قمح أوكرانيا الذي لم يعد يصل إلى إهراءات القمح المحترقة في ميناء محترق في بلد من رماد.
تغير في لبنان لون البجع. صار كله أسود، وصارت البجعة البيضاء هي المستحيلة. والعياذ بالله من سائر الطيور وخفافيش ووهان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بجع أسود بجع أسود



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"

GMT 03:32 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة توضح دور الخوف في عملية انقراض الحيوانات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca