نَسقان مختلفان في حروبنا ونزاعاتنا الكثيرة الراهنة

الدار البيضاء اليوم  -

نَسقان مختلفان في حروبنا ونزاعاتنا الكثيرة الراهنة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ليس من اسم آخر لما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل سوى الحرب. إنّها حرب بقاسم سليماني أو من دونه، وبحكومة ليكوديّة أو بحكومة مناهضة لليكود. معظم هذه الحرب يجري على الأراضي السورية وفوقها؛ لكن بعضها يُخاض في إيران وإسرائيل نفسيهما، وأيضاً في العراق ولبنان. آخر أفعالها الكبرى كان اغتيال الضابط في «الحرس الثوري» الإيراني صيّاد خدايي.
أشكال هذه الحرب تتنوّع ما بين ضربات برّيّة وجوّية وسيبرانيّة، وأعمال مباشرة وأخرى بتفويض الوكلاء المحلّيين، كما يتّخذ بعضها شكل محاولات التعديل السياسي لما هو قائم؛ لكنها جميعاً تصبّ في الحرب التي يُرجّح أن تتفاقم في ظلّ ما يتردّد عن انسحاب روسي تدريجي من سوريّا، والاتّجاه لـ«ملء الفراغ» الروسي إيرانيّاً. هذا ما يقصّر المسافات الفاصلة بين الطرفين ويزيد نقاط الاحتكاك، كما يبدّد بقايا الحذر الإسرائيلي بسبب تفاهمات تلّ أبيب مع موسكو. الصورة تغدو أشدّ قتامة فيما لو صحّت الأخبار القائلة إنّ طهران وضعت يدها على مطار حلب ومطار تدمر ومستودعات ذخيرة في حمص، فضلاً عن عشرات البلدات والقرى المحيطة بتلك المواقع.
المفارقة هنا أنّ الحرب الإيرانيّة – الإسرائيليّة تستفيد من الأجواء الحربيّة في العالم، إلا أنّها، وهي السابقة عليها، مستقلّة بذاتها عنها. فلا إيران تخوض جزءاً من حرب روسيا ضدّ أوكرانيا، رغم تعاطف طهران مع موسكو، ولا إسرائيل تخوض جزءاً من حرب أوكرانيا في مواجهة روسيا، رغم أنّها، في آخر المطاف، أقرب إلى الأوكرانيين. كذلك يصعب القول إنّ الإسرائيليين تجمعهم استراتيجيّة مشتركة بالأميركيين في ظلّ جو بايدن، فيما خصّ التعاطي مع المشروع النووي الإيراني الذي يبقى المحرّك الأوّل لحرب طهران وتلّ أبيب.
تصحّ نظريّة الحروب الصغرى المتوازية في أحوال تركيا وسياساتها. فالتهديد باجتياح جديد للشمال السوري لن يكون مقبولاً من أميركا، وفي أغلب الظنّ من روسيا أيضاً. فوق هذا، تخوض تركيا حربين سياسيّتين، واحدة لمنع انضمام السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو»، والثانية لحصار اليونان سياسياً واستراتيجيّاً، بعدما ألغى رجب طيّب إردوغان عقد اجتماع المجلس الاستراتيجي الذي يجمع بلاده بها، كما هاجم بحدّة رئيس حكومتها كيرياكوس ميتسوتاكيس. وبغضّ النظر عن درجة الصدق في الرواية التركيّة، يبقى أنّ هاتين الحربين السياسيّتين تغلّبان على نحو قاطع مواجهة إردوغان مع خصومه (حزب العمّال الكردستاني، وفتح الله غولن، وربما معارضيه في الحزب الجمهوريّ) على أطلسيّة تركيّا.
هذا التوازي المشوب بقلّة الانتظام، وبكثير من المداورة، يعاكس كلّيّاً الاصطفافات الآسيويّة. فاليابان شهدت مؤخّراً قمّة لـ«التحالف الرباعي للحوار الأمنيّ» (كواد) الذي يضمّها إلى الولايات المتّحدة وأستراليا والهند. بنتيجة تلك القمّة أُنذرت بكين بألا تحاول تغيير الوضع التايواني بالقوّة، وأعلن الرئيس بايدن بوضوح قاطع أنّ بلاده ستدافع عن تايوان «عسكريّاً» فيما لو تعرّضت لغزو من الصين التي قال إنها، بتكثيفها مناوراتها العسكريّة: «تلعب بالنار». تصريحات بايدن هذه التي أعلنت نهاية «سياسة الغموض»، حظيت بموافقة رئيس الحكومة الياباني كيشيدا فوميو الذي لا تخفي بلاده، مثلها مثل أستراليا والهند، قلقها من طموحات الصين.
وما بدأه بايدن أكمله وزير خارجيّته أنتوني بلينكن الذي شرح رؤية بلاده الاستراتيجيّة حيال الصين، فسمّاها الدولة الوحيدة التي لا تملك الرغبة في تغيير النظام العالمي فحسب؛ بل تملك أيضاً القوّة المتعدّدة الأوجه لتحقيق ذلك. فالصين، بالتالي، هي التحدّي البعيد المدى والأكثر جدّيّة للمنظومة العالميّة، وفق الوزير الأميركيّ.
وبدورها لم تتأخّر الصين في الردّ، إذ بعد ساعات على قمّة «كواد»، أعلنت اليابان أنّ طائرات عسكريّة صينيّة وروسيّة قامت بطلعات مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، تزامناً مع اجتماع القادة، وهي خطوة اعتبرها وزير الدفاع الياباني «استفزازيّة».
استكمالاً لهذه الاستراتيجيّة المتطابقة، أعلن بايدن زجّ الاقتصاد في ساحة المعركة. فقد تحدّث عن خطّة اقتصاديّة بعيدة الأمد سوف ينضمّ إليها 13 بلداً، أما الهدف منها، وفق المراقبين، فسيكون تخليص آسيا من الاعتماد الاقتصادي المتزايد على الصين. وفي الموازاة، صرّح رئيس كوريا الجنوبيّة الجديد يون سوك يول، لـ«سي إن إن» بأنّ زمن ممالأة كوريا الشماليّة، حليفة الصين، قد انتهى، وأنّ أي محادثات مشتركة بعد الآن لا بدّ من أن تُفتتح بمشاركة الزعيم الكوري الشماليّ، كيم جونغ أون، مباشرة.
ومن يدري، فقد يتطوّر النسق الحربي في الشرق الأوسط، بحيث ينتظم ويغدو أشدّ انسجاماً مع الوجهة الكونيّة التي تتبلور راهناً. لكنْ حتّى في هذه الحال يبقى مسار كهذا بطيئاً جدّاً ومتعرّجاً جدّاً. في هذه الغضون، وحتّى إشعار آخر، ما يمكن قوله: إن اختلاف نسقَي الحرب في الشرق الأوسط وفي الشرق الأقصى بليغ الدلالة على المنطقتين وعلى موقعهما من سائر العالم، وموقع سائر العالم منهما.ليس من اسم آخر لما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل سوى الحرب. إنّها حرب بقاسم سليماني أو من دونه، وبحكومة ليكوديّة أو بحكومة مناهضة لليكود. معظم هذه الحرب يجري على الأراضي السورية وفوقها؛ لكن بعضها يُخاض في إيران وإسرائيل نفسيهما، وأيضاً في العراق ولبنان. آخر أفعالها الكبرى كان اغتيال الضابط في «الحرس الثوري» الإيراني صيّاد خدايي.
أشكال هذه الحرب تتنوّع ما بين ضربات برّيّة وجوّية وسيبرانيّة، وأعمال مباشرة وأخرى بتفويض الوكلاء المحلّيين، كما يتّخذ بعضها شكل محاولات التعديل السياسي لما هو قائم؛ لكنها جميعاً تصبّ في الحرب التي يُرجّح أن تتفاقم في ظلّ ما يتردّد عن انسحاب روسي تدريجي من سوريّا، والاتّجاه لـ«ملء الفراغ» الروسي إيرانيّاً. هذا ما يقصّر المسافات الفاصلة بين الطرفين ويزيد نقاط الاحتكاك، كما يبدّد بقايا الحذر الإسرائيلي بسبب تفاهمات تلّ أبيب مع موسكو. الصورة تغدو أشدّ قتامة فيما لو صحّت الأخبار القائلة إنّ طهران وضعت يدها على مطار حلب ومطار تدمر ومستودعات ذخيرة في حمص، فضلاً عن عشرات البلدات والقرى المحيطة بتلك المواقع.
المفارقة هنا أنّ الحرب الإيرانيّة – الإسرائيليّة تستفيد من الأجواء الحربيّة في العالم، إلا أنّها، وهي السابقة عليها، مستقلّة بذاتها عنها. فلا إيران تخوض جزءاً من حرب روسيا ضدّ أوكرانيا، رغم تعاطف طهران مع موسكو، ولا إسرائيل تخوض جزءاً من حرب أوكرانيا في مواجهة روسيا، رغم أنّها، في آخر المطاف، أقرب إلى الأوكرانيين. كذلك يصعب القول إنّ الإسرائيليين تجمعهم استراتيجيّة مشتركة بالأميركيين في ظلّ جو بايدن، فيما خصّ التعاطي مع المشروع النووي الإيراني الذي يبقى المحرّك الأوّل لحرب طهران وتلّ أبيب.
تصحّ نظريّة الحروب الصغرى المتوازية في أحوال تركيا وسياساتها. فالتهديد باجتياح جديد للشمال السوري لن يكون مقبولاً من أميركا، وفي أغلب الظنّ من روسيا أيضاً. فوق هذا، تخوض تركيا حربين سياسيّتين، واحدة لمنع انضمام السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو»، والثانية لحصار اليونان سياسياً واستراتيجيّاً، بعدما ألغى رجب طيّب إردوغان عقد اجتماع المجلس الاستراتيجي الذي يجمع بلاده بها، كما هاجم بحدّة رئيس حكومتها كيرياكوس ميتسوتاكيس. وبغضّ النظر عن درجة الصدق في الرواية التركيّة، يبقى أنّ هاتين الحربين السياسيّتين تغلّبان على نحو قاطع مواجهة إردوغان مع خصومه (حزب العمّال الكردستاني، وفتح الله غولن، وربما معارضيه في الحزب الجمهوريّ) على أطلسيّة تركيّا.
هذا التوازي المشوب بقلّة الانتظام، وبكثير من المداورة، يعاكس كلّيّاً الاصطفافات الآسيويّة. فاليابان شهدت مؤخّراً قمّة لـ«التحالف الرباعي للحوار الأمنيّ» (كواد) الذي يضمّها إلى الولايات المتّحدة وأستراليا والهند. بنتيجة تلك القمّة أُنذرت بكين بألا تحاول تغيير الوضع التايواني بالقوّة، وأعلن الرئيس بايدن بوضوح قاطع أنّ بلاده ستدافع عن تايوان «عسكريّاً» فيما لو تعرّضت لغزو من الصين التي قال إنها، بتكثيفها مناوراتها العسكريّة: «تلعب بالنار». تصريحات بايدن هذه التي أعلنت نهاية «سياسة الغموض»، حظيت بموافقة رئيس الحكومة الياباني كيشيدا فوميو الذي لا تخفي بلاده، مثلها مثل أستراليا والهند، قلقها من طموحات الصين.
وما بدأه بايدن أكمله وزير خارجيّته أنتوني بلينكن الذي شرح رؤية بلاده الاستراتيجيّة حيال الصين، فسمّاها الدولة الوحيدة التي لا تملك الرغبة في تغيير النظام العالمي فحسب؛ بل تملك أيضاً القوّة المتعدّدة الأوجه لتحقيق ذلك. فالصين، بالتالي، هي التحدّي البعيد المدى والأكثر جدّيّة للمنظومة العالميّة، وفق الوزير الأميركيّ.
وبدورها لم تتأخّر الصين في الردّ، إذ بعد ساعات على قمّة «كواد»، أعلنت اليابان أنّ طائرات عسكريّة صينيّة وروسيّة قامت بطلعات مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، تزامناً مع اجتماع القادة، وهي خطوة اعتبرها وزير الدفاع الياباني «استفزازيّة».
استكمالاً لهذه الاستراتيجيّة المتطابقة، أعلن بايدن زجّ الاقتصاد في ساحة المعركة. فقد تحدّث عن خطّة اقتصاديّة بعيدة الأمد سوف ينضمّ إليها 13 بلداً، أما الهدف منها، وفق المراقبين، فسيكون تخليص آسيا من الاعتماد الاقتصادي المتزايد على الصين. وفي الموازاة، صرّح رئيس كوريا الجنوبيّة الجديد يون سوك يول، لـ«سي إن إن» بأنّ زمن ممالأة كوريا الشماليّة، حليفة الصين، قد انتهى، وأنّ أي محادثات مشتركة بعد الآن لا بدّ من أن تُفتتح بمشاركة الزعيم الكوري الشماليّ، كيم جونغ أون، مباشرة.
ومن يدري، فقد يتطوّر النسق الحربي في الشرق الأوسط، بحيث ينتظم ويغدو أشدّ انسجاماً مع الوجهة الكونيّة التي تتبلور راهناً. لكنْ حتّى في هذه الحال يبقى مسار كهذا بطيئاً جدّاً ومتعرّجاً جدّاً. في هذه الغضون، وحتّى إشعار آخر، ما يمكن قوله: إن اختلاف نسقَي الحرب في الشرق الأوسط وفي الشرق الأقصى بليغ الدلالة على المنطقتين وعلى موقعهما من سائر العالم، وموقع سائر العالم منهما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نَسقان مختلفان في حروبنا ونزاعاتنا الكثيرة الراهنة نَسقان مختلفان في حروبنا ونزاعاتنا الكثيرة الراهنة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca