ماذا غير الويب في مهنة المتاعب ؟

الدار البيضاء اليوم  -

ماذا غير الويب في مهنة المتاعب

عبده حقي

حقا .. إنها مهنة المتاعب سواء قبل الانشغال بأي مقال سيرى النور على صفحة جريدة ورقية أو موقع إلكتروني أو حتى بعد نشره وبشكل أخطر. لافرق إذن بين صداع 
الرأس من قبل ومن بعد التنقيب عن العبارة الملائمة وطرق أبواب المعلومة الموصدة بأقفال التكتم والسرية والحفاظ على الخصوصية وبين تبعات المقال وتداعياته في أذهان الرأي العام ، وأخيرا بين تعرية الحقيقة كما هي في مسقط واقعها وبين المراهنة على صون لقمة العيش والسمو بالوضع الاعتباري للصحفي بكونه يمتلك سلطة رابعة بل وخامسة أيضا لا يقل شأنها ولاتختلف في دورها وشرعيتها عن باقي السلط الأخرى .
عديد من التحولات البنيوية العميقة عرفتها مهنة الصحافة بشكل عام والصحافة الورقية بشكل خاص في السنوات الأخيرة بعد انتشار شبكة الويب والدورالذي لعبته في شق قنوات الوصول إلى نفائس المعلومات على اختلاف مستوياتها ومقاصدها ولغاتها ..إلخ ما يجعل سؤالنا حول متاعب الصحافة الآن يأخذ بعده وتلويناته الدلالية في راهنيته وواقعه الجديد الذي يتلبس بهيمنة تكنولوجيات المعلومات والتواصل وانتشار مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بل والاعتماد على معطياتها كمصادر موثوق بها لتغذية المعلومة .
مما لاشك فيه أنه لم تعد متاعب الصحافي مرتهنة أكثر بإكراهات الزمان والمكان أكثر مما كانت عليه قبل انتشار شبكة الويب . فالمتاعب على اختلاف عقباتها المعنوية والمهنية والتواصلية وحتى اللوجيستية قد انتقلت من المعاناة الأرضية الشاقة إلى المعاناة الافتراضية بما يقتضيه هذا التحول الحاسم والاستراتيجي من الوعي بفاعليته والحفاظ على الدور المحوري الذي تؤديه الصحافة الورقية في نشر المعلومة وتنوير الرأي العام وأيضا الإسهام في بلورة مجتمع الحداثة والديموقراطية والتوعية والانعتاق من براثن التخلف ..إلخ
إننا لانتحدث في هذا الصدد عما بات يعرف ب "صحافة البيجاما" أو"صحافة الكنبة" أي عن مجموعة من المواقع الإلكترونية تحديدا التي غالبا ما يديرها شخص واحد لايتوفر سوى على جهاز حاسوب محمول وهاتف سمارتفون والوصفة السحرية "نسخ لصق" حيث يوجد مقر الموقع أينما وجد مديره في كل مكان تحت الأرض أو فوقها . على رصيف المحطة أوفي مقصورة القطار أوالطائرة ، بل إننا نتحدث في هذه المتاعب عن الصحافة الورقية المقاولاتية التي تشتغل وفق المعايير والتحديدات المتعارف عليها مهنيا وقانونيا ، محليا ودوليا . عن المؤسسة الإعلامية التي تتوفر على مقر وإدارة وهيأة تحريرومراسلين وحساب شركة ..إلخ
لم يعد الصحافي في عصر الويب كما كان بالأمس يقضي ساعات وساعات في قاعات الانتظار في مكتب مسؤول إداري أوسياسي أومرابطا في بهو فندق أو كرسي مقهى بعيدا عن عيون الرقباء ومدججا بفطنته وبداهته وبجذاذة أسئلة وآلتي تسجيل وتصوير، بل إن هاتفه الذكي قد بات اليوم يغنيه إلى حد ما وبشكل أكثر راحة ونجاعة من كل تلك المتاعب الواقعية الغابرة ... فالسمارتفون قد يمكنه من اقتناص محاوريه حيثما وجدوا داخل الوطن أو خارجه وانتزاع تصريحات لهم أو حوارات معهم ونشرها في حلة رقمية فائقة إما بالصوت أو بالفيديو أوكتابة أو عبر الميسانجر أو السكايب أو واتساب وتفريغها فيما بعد على صفحة الجريدة في نسختيها الورقية كتابة وأيضا الإلكترونية بإخراج رقمي تفاعلي فائق .
لقد أسهمت التكنولوجيات الحديثة والويب ومحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في طي ثلثي المسافات الفاصلة بين الصحافي وخط الوصول إلى المعلومة أوالمادة الخبرية . فما كان يستعصى العثور عليه من صور أو معلومات عن بروفايل الشخصيات العمومية أو التاريخ أو المكان أو من عناوين وإحاطات معلوماتية كانت تستوجب أحيانا من الصحافي تنقلات وأسفار مكوكية مرهقة ماديا وجسديا وعشرات المكالمات من الهاتف الثابت للجريدة أصبح اليوم كل هذا الماراتون الممل هينا إلى حدا ما ويمكن القفز على بعض أتعابه بنقرة واحدة أو بتطبيق رقمي أو باستعمال عديد من المفاتيح التكنولوجية والافتراضية.
فهل جميع هذه القنوات التواصلية المفتوحة والمتاحة للصحافة الورقية والإعلام بشكل عام قد خففت من ثقل صخرة مهنة المتاعب ؟
يقينا أن أهل الصحافة أدرى بشعابها وأن كل المتاعب كانت وماتزال هي قدر هذه المهنة النبيلة وأن هناك متاعب أخرى خطيرة كامنة بشكل بنيوي في الجسم الصحفي وخلف هذه المرآة البرانية البراقة التي ترسم واقعا ورديا في ممارسة مهنة المتاعب في عصر الويب .
فإذا كانت التكنولوجيات الحديثة والإنترنت قد خففت من متاعب الصحافي ووفرت عليه تجرع حبات الإسبرين قبل وبعد نشر أي مقال أوخبرأو رأي أو تحقيق أوروبورتاج .. إلخ فما زالت هناك متاعب أخطر مثل الأمراض المزمنة المستعصية منذ أن صارت الصحافة في المغرب قبل قرن من الزمن رقما أساسيا في بناء أركان الدولة ولاعبا محوريا في بورصة القيم السياسية والإقتصادية والاجتماعية وأداة "بيلدوزر" قد تستعمل للبناء كما للهدم على حد سواء وكل تضحياتها تلك في إطار الحفاظ على استمرارية الدولة والمؤسسات وصون السلم الاجتماعي وتلطيف الأجواء السياسية وقبل هذا وذاك الحفاظ على لقمة العيش لطاقم المقاولة الصحفية وضمان مستقبلها .
فهل خفف عصر الويب والتكنولوجيات الحديثة على الصحافة من بعض إرهاقها اليومي في التنقيب في دهاليزالمعلومة وهل أنقذها إلى حد ما من متاعب المحاكمات والمضايقات والإعتداءات الجسدية في العالم إلى حد القتل مثلما وقع أخيرا للصحافية المالطية كاروانا جاليزيا (53 عاما) في حادث تفجير سيارتها بعبوة ناسفة .؟
لاأعتقد ذلك فبقدر ما أسهم الويب في تذليل العقبات للوصول إلى النزر القليل من المعلومات وتعبيد عديد من جسور التواصل التكنولوجية والرقمية بقدر ما تعددت خطورة انتشار المحتوى الرقمي الإعلامي أيضا ومن دون شك أن إبحار الصحافي في عالم افتراضي زئبقي ومفخخ يبقى دائما مفتوحا على جميع الاحتمالات .
فهل قدرالصحافة أن تبقى مهنة المتاعب إلى الأبد رغم تطور أشكال قنوات التواصل في كل العصور!؟
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا غير الويب في مهنة المتاعب ماذا غير الويب في مهنة المتاعب



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca