يا "مضايا" لا تسامحينا

الدار البيضاء اليوم  -

يا مضايا لا تسامحينا

أسامة الرنتيسي

حتى على الجوع في مضايا هناك من ينبري ليشكك في الموت، ويحمّل الضحية مسؤولية الموت امام الكاميرات (الغشاشة).
في مضايا موت لا يختلف ابدا عن الموت الذي طال شيوخ ونساء واطفال مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق، عندما غفلت كل العيون عنه، الصديق والشقيق والمتآمر.
التجويع ليس جديدا على النظام السوري، ولا على الورثة الجدد لحركة أمل اللبنانية، فقبل ان تم مسح مخيم تل الزعتر من الوجود، تم تجويع سكانه، من يومها ونحن نسمع عن أكل المضطر للقطط والكلاب واوراق الشجر.
 هكذا.. تتشظى مضايا جوعاً كما تتشظى الكرامة العربية على أبواب التاريخ المعاصر.. فلا لمضايا من ينقذها ويجفف دموعها، ولا للتاريخ من يكتبه بقلم ذي خط حسن.
مضايا بلدة سوريّة تتبع الزبداني في محافظة ريف دمشق، تقع شمال غرب دمشق في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتُعد مصيفاً مهماً جنباً إلى جنب مع مدينة الزبداني.
مضايا ركبت قطار الحراك الثوري منذ بداية الثورة ضد بشار الأسد، ما دفع الجيش النظامي في البداية إلى قصف مدفعي على البلدة، ثم توجيه قوة عسكرية قدّرت بـ 30 ألف عنصر مدعومين بـ 50 دبابة و9 قطع مدفعيّة، فضلاً عن مقاتلي حزب الله اللبناني المقدّرين بحوالي 300 من قوات النخبة، وانتهت هذه الجولة بانتكاس القوات النظامية وأنصارها.
ونتج عن المعركة اتفاق بين الجيش الحر والجيش النظامي نص على انسحاب الطرفين من أبواب البلدة لحقن الدماء، وهو ما أدى لعودة الأهالي إلى البلدة رغم الأضرار المادية الكبيرة نسبياً من جراء القصف العنيف والعشوائي.
حاول الجيش النظامي في الفترة الأخيرة ضم مضايا إلى سيطرة الدولة مثلما حاول في الزبداني وما جاورها، وأدت المحاولات المتكررة إلى تدمير الكثير من البنية التحتية في مضايا بسبب إسقاط البراميل المتفجرة ومقتل العديد من المدنيين.
مضايا اليوم التي لم تركع للنظام، تركع للجوع، فتهدي كل يوم إلى القبور العشرات من أبنائها ذوي الهياكل العظمية التي لن يجد دود الأرض شيئاً يأكله فيها، من الأطفال والنساء والشيوخ، ومع ذلك يصر النظام مدعوماً بقوات حزب "المقاومة اللبنانية" أن يأكل من لحم هؤلاء الصامدين في تلك البلدة الأبية.
لا أظن أن أحداً تابع مأساة مضايا ولم يخطر على باله سؤال: ما الشعور الذي ينتاب بشار الأسد وحسن نصر الله وهما يشاهدان ذلك الطفل (الشبح) يقول: "والله يا عمو بدي قلك شغلة ومستحي منك! صرلي أسبوع ما أكلت، وكل اللي بتمناه إني آكل بس اليوم، وبعدين مو مشكلة".
النظام وأنصاره ردوا على الأمر بالبراغماتية المعهودة عنهم منذ سنوات، والتي لا تختلف كثيراً عن براغماتية تحميل المسؤولية للمقتول دائماً، حيث قالت البيانات الصادرة عن حزب الله وأبواق النظام السوري: إن المسؤول عن الحصار هم المقاتلون المسلحون الذين يمنعون دخول المساعدات إلى المدنيين.. ولا أعتقد أن مثل هذه الذرائع تنطلي على أحد ممن يحمل في رأسه ذرة منطق.
المبكي في مضايا ليس فقط ما أصبحت العيون تأبى رؤيته والعقول ترفض إدراكه، وإنما نكاد نشعر بأن العالم العربي والمجتمع الدولي يريدان بصمتهما شبه المطبق لمضايا وشقيقاتها أن تقبّل البسطار العسكري الإجرامي الذي تلبسه قوات النظام وتصنع جلده القاسي إيران وتحركه قوات المقاومة، وتصدّره الغواصات البوتينية إلى البلدات المحاصرة.. ولن أكون آسفاً عندما أقول: تلمّعه دول الغرب والأمم المتحدة الصامتة على مدار خمس سنوات على أبشع جرائم التاريخ، وأقسى هولوكوستات البشر، وأقل قيم الإنسانية.. بل والحيوانية.. ولربما تدفع ثمنه بعض الدول العربية سواء علمت أم لم تعلم!!  وعلى سيرة حقوق الحيوان.. فإنني أستغرب كيف للجمعيات والهيئات العالمية أن تصمت على الجرائم التي يرتكبها أهل مضايا بحق الحيوانات المحاصرة معهم في البلدة، فتشير التقديرات إلى أن الحصار إذا استمر حوالي شهرين آخرين فلن يبقى قطط أو كلاب في مضايا.. ولربما نسمع عن إبادة لصنف جديد من المخلوقات هناك، أترفع عن ذكره مراعاة للذائقة العامة، ومشاعر القارئ الكريم، واحتراماً لأهلنا المحاصرين في أعظم صمود عبر التاريخ ستكتبه نجوم السماء بنيازك من أرواح الميتين جوعاً.
أمام جوع مضايا والهياكل العظمية لاطفالها وشيوخها، فلتسقط كل الشعارات والتنظيرات وكل المحاور، ومثلما قال الشاعر الكويتي الجميل عبدالله فلاح..
يا "مضايا" لا تسامحينا 
نحن الشعوب السافلة ...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يا مضايا لا تسامحينا يا مضايا لا تسامحينا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca