تموت ليلى.. تبقى الصورة، ويبتسم بخسة الجبناء..

الدار البيضاء اليوم  -

تموت ليلى تبقى الصورة، ويبتسم بخسة الجبناء

المختار الغزيوي

تموت ليلى. تشرب قدحها في تلك الصبيحة الدافئة من شهر يناير الساخن باحتباسه الحراري الغريب، وبأحداثه التي لاتريد انتهاء. تجالس “واغا” مثلما ينادي من يحبون عاصمة بوركينا فاصو المدينة، وتراقب عن كثب الوضع، وتقول إن الديكور صالح لالتقاط مئات الكليشيهات مرة أخرى..
تعدل من جلسة آلة تصويرها رفيقة الحياة التي لم تفارقها يوما منذ علمت أن وراء الزوم عينا سحرية تخلد اللقطات الهاربة إلى الفناء. منذ وقفت قرب الكبير سان لوران في حدائق مراكش الغناء تبتسم للتاريخ ولصورة ستبقى دليل على صغيرة سبقت الزمان وكانت سريعة في كل شيء حتى في الرحيل..
تستعد العاصمة البوركينابية لانتظار يوم لايشبه بقية الأيام. تدخل “أكمي” – هكذا يسميها الفرنسيون في نشراتهم الإخبارية – أو القاعدة في المغرب العربي مثلما يسميها بكآبة المتضررون الأوائل من هذا الجحيم الإرهابي إلى باحة المطعم المجاور للسبلنديد حيث تجلس ليلى، ويشرعون في إطلاق النار الأعمى، الكثيف، الأحمق، الجبان..
يصيبون ليلى ويقتلون قرابة الثلاثين ويخلقون حالة ذعر في المكان كله، وتبدأ كاميرات التلفزيونات عملها الغبي الذي أصبح روتينا في الأيام الأخيرة: التأكد من عدد الموتى، ضبط أرقام الجرحى، ثم معرفة من يقف هاته المرة وراء الكآبة القاتلة، ومن سيتبنى الموت الزاحف علينا بكل هذا الاطمئنان..
تصاب ليلى برصاصات ثلاث. إثنتان منهما ستكونان قاتلتين. تذهب إلى المصحة، تترك لأول مرة آلة تصويرها وحيدة، تتخلى عنها في لحظة الصورة الكبرى، لم تجد لها حيلا ولم تستطع لها شيئا. ودعت ليلى الكاميرا وذهبت إلى المصحة لكي تقاوم يومين الإصابة، ثم لكي تمنح الحياة قرابة الثامنة من مساء الإثنين آخر شهقة لها وآخر زفير.
رحلت ليلى، بكل غباء الكون، بكل قدرته على تقديم هاته الدروس الرديئة لنا، بكل هبائه، بكل ما في الإرهاب من دناءة ومن نزول ومن قدرة على إرعابنا المرة بعد الأخرى بهذا الحزن الأليم.
تموت ليلى وتظل الصور. تظل واغا المدينة قادرة على النهوض مرة أخرى لتنظيم الفيسباكو، لاحتضان السينما، لإهداء رقصة أخرى لا تنتهي لكل الزائرين، لالتقاط المزيد من الصور إلى مالانهاية.
تموت ليلى وتعود مرة أخرى وأخيرة إلى المغرب لأجل الدفن، تبقى صورها في مكان ما دليلا على هاته العين القادرة على الالتقاط، المنبهرة بقدرة الكاميرا على التخليد، الحالمة بالكليشيه الذي سيصنع الإسم الكبير في يوم من الأيام..
لعل ليلى عثرت عليه في واغا في قلب إفريقيا، لعلها التقطت الصورة التي كانت تحلم بإلقاء القبض عليها. ولعل الثمن كان باهظا بالفعل: حياة بأكملها ثمنا لصورة لم تكتمل. وداعا ليلى، هؤلاء الجبناء ضربونا مجددا في مقتل أليم..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تموت ليلى تبقى الصورة، ويبتسم بخسة الجبناء تموت ليلى تبقى الصورة، ويبتسم بخسة الجبناء



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca