أخر الأخبار

صورة لعالم رهيب مهدد بالانفجار

الدار البيضاء اليوم  -

صورة لعالم رهيب مهدد بالانفجار

بقلم - نور الدين مفتاح

على وزن ما قاله عالم الإعلام مارشال ماكلوهان من أن العالم أصبح قرية صغيرة بفعل انفجار وسائل الاتصال الجماهيري آنذاك، يمكن أن نقول اليوم إن العالم أصبح قنبلة كبيرة بفعل الانعطافة الكبرى في السياسة الدولية، وتأثير انفجار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت عواطف البشر تهتز في آن واحد لمجريات الأمور في الأركان الأربعة للأرض.

وأول مكونات هذه القنبلة هو هذا الكم الأسطوري من الحقد الدفين الذي أصبح يتفجر في كل قنوات صرف المكبوتات الاجتماعية عبر الشبكة العنكبوتية، الشيء الذي استغلته بشكل بشع المنظمات الإرهابية للتأثير والاستقطاب والمساعدة في التحرك العملي للإيذاء، من خلال إرشادات صنع المتفجرات واختيار الأهداف والشحن. وفي درجة أسفل، نجد أن المئات من التنظيمات القانونية تستغل كذلك هذه الثورة التكنولوجية لكسب المزيد من المؤيدين للانغلاق ورفض الآخر ومعاداة المهاجرين والتصادم بين الأديان، في استغلال بشع لمعطيات قد تكون جزئيا صحيحة، ولكنها تستعمل استعمال الحق الذي يراد به باطل، ولهذا نجد أن ملامح عالم اليوم تنقلب رأسا على عقب.

لقد بدأت الأحزاب القديمة في الدول الديموقراطية تفقد ريادتها التاريخية، وبدأت الحدود بين اليمين واليسار تتآكل، وبدأ الناس يتبرمون من السياسيين المحترفين أو التقليديين حتى ولو كانوا بلا شبهة، وربما حتى الديموقراطية التمثيلية اليوم موضوعة على محك الامتحان.

وفي المقابل، انبثقت الأحزاب الشعبوية بقوة في كل مكان، وحازت انتصارات باهرة في القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت الدعوة للشوفينينة والتقوقع والعجرفة قيما جديدة لعالم حزين، وربما يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الذي يتربع على عرش هذا التحول الرهيب الذي لا أحد يمكن أن يتكهن بمآله.

ترامب الذي لم ينبثق من النخبة العريقة الحاكمة في بلاد العم سام دخل إلى البيت الأبيض دخول الفيل إلى محل للخزف، وبطبيعة الحال، كان للعجرفة، والجهل بأصول العلاقات الدولية، أن جعلا من التهور سياسة رسمية للبيت الأبيض، وآثار ذلك أحسسنا بحرارتها هنا في عالمنا العربي الإسلامي الذي زرعت في قلبه أكبر قضية اغتصاب في التاريخ الحديث، بحيث اقتلع شعب من أرضه واستبدل بشعب آخر في دولة دينية سميت إسرائيل وأعطيت لليهود على أساس أنها أرض الميعاد.

صحيح أن تاريخ القضية الفلسطينية هو تاريخ النكبات والهزائم والنكسات، وتم هذا بتواطؤ من طرف الكثير من الأنظمة "الشقيقة"، ولكن كل هذا لا يمكن أن يغير شيئا في طبيعة القضية كونها ظلما تاريخيا لشعب مشرد جزء كبير منه لاجئ في الشتات وجزء محشور في شريطين ضيقين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد كانا أصلا أراض أردنية مصرية، وجزء ثالث في السجون الإسرائيلية!

وجاء السيد دونالد ترامب ليزيل الكثير من المساحيق عن خطاب الدولة الأمريكية، التي كانت تعتقد أن الحفاظ على ريادتها العالمية يمر عبر تمثلها لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدل والإنصاف الدوليين. جاء ترامب ليوقع على أسوأ قرار صادم باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، في الوقت الذي كانت الكرة الأرضية بمن يدب فيها تعتقد في أسوأ الأحوال في عاصمة واحدة لدولتين، هي القدس الغربية لإسرائيل والقدس الشرقية لفلسطين.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الذي يمكن أن يجد له جوق ترامب من يلحن لكلماته أغنية تشدو بأن القرار كان جاهزا ولا خلاف حوله، ولكن كل الرؤساء السابقين كانوا يفتقدون الشجاعة اللازمة لتطبيقه، أو أن كل رئيس مدين للقوة التي أوصلته للبيت الأبيض، وليست هناك من قوى أكبر من اللوبي اليهودي في دهاليز الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الذي لا يمكن أن يجد له أي أحد لا لحنا ولا كلمات هو الجولان المحتل الذي لا يتضمن لا حائط مبكى مدعى عليه ولا هيكل سليمان، ولا هو ضمن الأرض الموعودة المزعومة، ولا كان على بال أعتى مجرمي الاحتلال. فكيف يحصل هذا الاعتراف بجولان عربي سوري سقط في حرب 1967، وكانت إسرائيل نفسها تنتظر إعادته لأصحابه بعد تسوية طالت للقضية الفلسطينية؟ إنه أكبر مسمار في قنبلة هذا العالم التي تقدح الشعبوية والغطرسة فتيلها بالمزيد من إذلال المغتصبين في حقوقهم في كل مكان.

إن الضغط يولد الانفجار، ورغم أن لا مبرر للكراهية والعنف، ولكن لا يمكن للإنسانية أن تتنكر للمقاومة كقيمة إنسانية ترمز إلى عزة الدفاع عن الكرامة والحق. وعندما تختلط على جزء من هذا العالم المتغطرس المقاومة والإرهاب، فيجب أن يعلم أن الذي يضع ضعاف العالم من حيث الإمكانيات تحت جزمة الظلم والحكرة، لا يجب أن يندهش إذا خرج من صدورهم وحش عدم الرضوخ والثورة على التواطؤ الدنيء مع المغتصبين لحقوق الشعوب في الحرية والانعتاق.

إن البشرية بدون عدالة وكرامة وقوانين منصفة لا يمكن إلا أن تعيد التاريخ بشكل مأساوي، ولكن في الإعادة هذه المرة، أي عندما تنفجر حرب كبرى بسبب جنون الكراهية وقانون القوة، فإنها ستكون الأخيرة، وهناك حكام ونخب وأحزاب وأصوات تحمل الأخطار وتتجول بها، وفي نفس الوقت الذي تنشر الخرائط احتفالا مستحقا بمحو داعش الإرهابية من الأرض، تزرع بذور أشكال أخرى من الهمجية التي قد تعيدنا إلى الصدام لا محالة. فمن يسحب المقود من مجانين القرن الواحد والعشرين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة لعالم رهيب مهدد بالانفجار صورة لعالم رهيب مهدد بالانفجار



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 04:54 2015 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

الفنان أحمد مالك مع تامر حسنى فى " أهواك "

GMT 04:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عطيل عويج يُبيّن سبب تعاقده مع فريق الفتح المغربي

GMT 06:03 2017 الثلاثاء ,14 آذار/ مارس

عجوز صيني يرتدي ملابس نسائية لإسعاد والدته

GMT 14:00 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الإنكليزي ستيفن جيرارد يعلن اعتزاله كرة القدم

GMT 06:42 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريطانية تكشف أهمّ ملامح رحلتها إلى الأقصر وأسوان

GMT 05:50 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

هبوط اقتصادي بعد مضي سبع سنوات على ثورة الياسمين

GMT 07:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

شكوك حول الوفاة تُعيد فتح ملف مغربي في إيطاليا

GMT 14:29 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

اللون "البرغندي" يظهر جمال عينيك في ليلة رأس العام

GMT 11:40 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على 2 مليار دولار كدفعة قرض من صندوق النقد الدولي

GMT 21:24 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تدريب خفيف للنجم فهد العنزي بعد تعافيه من الإصابة

GMT 07:19 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 خطوات جديدة للقضاء على حب الشباب في منطقة الصدر

GMT 23:11 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

السجن المحلي في وجدة ينظم نشاطًا رياضيًا لفائدة السجناء

GMT 20:28 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

المارد الأحمر يواصل انتصاراته ويفوز على المصري بثنائية

GMT 07:39 2015 الأحد ,17 أيار / مايو

مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة

GMT 08:55 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في آيت أورير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca