مساوىء الديموقراطية!

الدار البيضاء اليوم  -

مساوىء الديموقراطية

بقلم : نور الدين مفتاح

الديموقراطية بدورها أصبحت مخيفة، ولهذا نفهم لماذا تسمى بالنظام الأقل سوءاً على الإطلاق الذي ابتدعه الإنسان لتدبير الحكم. وإذا أردنا ترجمة مخيفة أيضا لهذا الأقل سوءا، فهي أن الشعب الذي توضع إرادته في مقام المقدس الديموقراطي ليس دائما على صواب، ولهذا نرى أن عالم اليوم، وعن طريق الانتخابات كأهم آلية في الديموقراطية، مهدد بأن تنزلق فيه هذه الدولة أو تلك إلى حكومات عنصرية منغلقة رافضة للآخر، مقتنعة بالإقصاء والتطرف كوسيلة لمعالجة المشكلات العويصة لشعوبها كالبطالة والهجرة والإرهاب.

عشنا هذا بشكل واضح في الانتخابات الأمريكية التي أنتجت وحشا سياسيا يدعى دونالد ترامب، وكدنا نعيشه في هولندا مع زعيم حزب اليمين المتطرف فيلدرز، الذي كان العمود الفقري لبرنامجه الانتخابي هو طرد المغاربة من البلاد، وبطبيعة الحال عشناه بشكل أقوى مع الانتخابات الفرنسية التي كانت بالفعل مباراة طويلة جدا ولكنها مشوقة جدا على شاكلة تشويق أفلام هيتشكوك.

والجميع هنا كتب يقارن بين الرباط وباريس، وبين السياسة هنا وهناك، وربما يستحضر البعض الفرق بين عبد الإله ابن كيران وعزيز أخنوش وامحند العنصر وإدريس لشكر وحميد شباط وبين إيمانويل ماكرون وفرانسوا فيون وجون لوك ميلونشون ومارين لوبين، وهذه كلها مقارنات تصبح بسخرية عميقة نظرا لقوة إيلامها، إلا أن المناطقة يقولون لا مقارنة مع وجود الفارق، فليست فرنسا، مهد الثورة وخامس قوة ديموقراطية في العالم، هي المغرب الذي بالكاد يناقش جهابذة مفكريه هل نحن فعلا في انتقال ديموقراطي أم لا، وإذا كان هذا الانتقال حاصلا ففي أي اتجاه هو؟ ولكن هذا ليس مبرراً ليكون الفرق بين هنا وهناك بهذه المسافة الضوئية. كان بالإمكان أن نكون أحسن بكثيرمن هذه الصورة المعقدة، التي أصبحت بمثابة متاهة مؤسساتية سياسية مغربية يحار في الخروج منها الخارقون. ولهذا نرى أن الاهتمام بما جرى في الرئاسيات الفرنسية مغربيا كان أكبر بكثير من الاهتمام بما تفعله حكومة العثماني اليوم، وما يوجد في قانون المالية وبمن هم أصلا وزراء هذه الحكومة.

إلا أن الذي ربما أعتبره غير دقيق هو القول إن الانتخابات في المغرب لم تكن تلقى الاهتمام نفسه، بالعكس، كانت المعركة الانتخابية الأخيرة مثيرة للاهتمام والجدل بطريقتها الخاصة، ولنتذكر المواجهات الأثيرة بين المعتمر اليوم السي عبد الإله ابن كيران وإدريس لشكر أو إلياس العماري أو حميد شباط، والتجمعات الخطابية التي ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، وليلة الإعلان عن النتائج  التي كانت كتوقع نتيجة مباراة للديربي، وحتى خلال الستة أشهر من البلوكاج ظل الاهتمام حاضراً، والنقاش ساخنا والتشويق السياسي مرتفعاً، خصوصا مع تواجد الملك محمد السادس حينها في إفريقيا، مما جعل التواريخ والمرافقين والمفاوضين والأحداث الكبرى تتزاحم والناس ينتظرون شيئا عظيما، ولم ينطفئ النور في هذه الغرفة الكبيرة ليقول أحدهم للناس أن ينتشروا لأن الفرجة انتهت إلا بعد أن جرى ما جرى، مما أنتج الحكومة الحالية وزلزل أركان آخر الأحزاب المتماسكة العدالة والتنمية.

الفرق لم يكن في الاهتمام إذن بين الإنتخابات في فرنسا والإنتخابات في المغرب، الفرق كان في المستوى وفي النتيجة. في المستوى لأن الديربي الذي كنا نتابعه هنا كان بمستوى المحلي ولنقل بين الرجاء والوداد، حيث المواضيع الرئيسية بعيدة جدا عن البرامج الملموسة التي توضح الفروق بين المتنافسين في ما يهم حياة المواطنين، وكنا في الحملة مانزال نتصارع حول التحكم واستقلالية القرار الحزبي وهلم مواجع ترجع لعهد ما قبل الديموقراطية، فيما هناك كان الديربي من مستوى الريال والبارصا -مع الاعتذار على هذه التشبيهات التي قد لا تبدو من المقام- حيث المواضيع الرئيسية دقيقة جدا، وتتعلق بأمن المواطن الفرنسي وبمدرسته وبتقاعده وبأجره، وبكم سيربح وربما كم سيخسر وما هي الاعتمادات المرصودة للوعود، من مثل الزيادة في عدد رجال الأمن أو في هيئة التدريس أو ما شئت في إبداع للحلول، وترتب عن هذا بالطبع فرق في النتيحة، لأنهم هناك هدّموا نظاما كاملا كان مبنيا على قطبيّة اليمين واليسار، ويبنون اليوم على أنقاضه نظاما جديدا جديرًا بالبحث الفلسفي في الانتقال بين المفاهيم الإيديولوجية وبين بدائلها، التي تتشكل ملامحها الأولى سياسيا قبل أن تتبلور فكريا.

أما النتيجة عندنا، فهي أننا هدمنا بالفعل شيئا ولكنه ليس نظاماً استنفد مهامه، ولكن هدّمنا كل الأحزاب، وهدمنا ربما ما تبقى من إيمان لدى المواطن بجدوى السياسة في تغيير حياته، وهدّمنا الاهتمام العام بالشأن العام، وحتى بعض الأوراق التي كان منتظرا أن تشكل منافسا مقبولا للعدالة والتنمية في القادم من الاستحقاقات أحرقناها، وبالتالي بنينا الفراغ الذي ظل البعض يعتقد أنه أقل سوءا من خطر التغلغل في مفاصل الدولة من طرف الظلاميين.

هذه بعض من انطباعات مكتوبة بهدوء مصطنع بين ما كنا نتابعه على القنوات الفرنسية من نقاشات ومواجهات وتحولات وازنة، وما كنا نعيشه على قناة واقعنا من نهاية للسياسة، وحال لساننا يقول اللهم مهاجر تلفزيا في ديموقراطية حيّة" أو مقيم في وطن يبدو لي والله أعلم أنه أسقط من تعريف هذه الديموقراطية كلمة الأقل وترك مرادفها السوء واجتنبها لعله يفلح!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مساوىء الديموقراطية مساوىء الديموقراطية



GMT 04:35 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 12:45 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

المغرب المحاصر

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المغرب والخليج بين ثورتين

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 09:01 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca