تغيير طريقة الحساب

الدار البيضاء اليوم  -

تغيير طريقة الحساب

بقلم : نور الدين مفتاح

كل المداد الذي سال بعد احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الأولى في الانتخابات، والتخلي عن أمينه العام الذي كان مكلفا بتشكيل الحكومة، وتعويضه بسعد الدين العثماني، كان له ما يبرره. إلا أن المؤسف هو أن تستمر معركة تكسير العظام بين إخوان ابن كيران أنفسهم حول موضوع حسابات الربح والخسارة في طريقة تشكيل الحكومة وكم ترك فيها العثماني من حق في ملكية الإرادة الشعبية، وكم هو منسوب الإذلال الذي ألحقه بحزبه، وهل يتحمل المسؤولية في الاختيار لوحده أم أن الأمانة العامة كلها مسؤولة معه، وهل تمت خيانة ابن كيران أم أن كل ما تم كان بتزكيته، وهلم أسئلة تدفع الحزب الإسلامي الأكثر تنظيما إلى منطقة الخطر، لدرجة أن رفيق درب الأمين العام منذ عهد الجماعة الإسلامية محمد يتيم طلع بتصريح صادم للزملاء في "الأحداث المغربية" يقول بالبنط العريض "ابن كيران ليس رسول الله"، قبل أن يعتذر عن ذلك.

إذا قارنا الطريقة التي تم التعامل بها مع فوز الإسلاميين انتخابيا في المحيط الإقليمي بعد الحراك العربي سواء في مصر أو تونس أو غيرهما والطريقة التي اختارتها الدولة في المغرب، يمكن أن نقول إنه في المغرب كان المايسترو رؤوفا رحيما. أما إذا قارنا أسلوب تدبير تشكيل الحكومة بعد 7 أكتوبر مع ما يطمح إليه المغرب ديموقراطيا والصورة التي يقدمها عن نفسه دوليا، ودخوله المدوي اليوم كلاعب قاري كبير، فيمكن أن نصف ما جرى بالخيبة، ولكن اليوم عندنا حكومة، وقد انطلقت في عملها، وهي مؤسسة تمتلك الشرعية، وبالتالي فإن طريقة الحساب يجب أن تتغير، ولا بد أن نحاسب أولئك الذين قدّروا سياسيا أن الانخراط في هكذا حكومة لن يعرقل مواصلة الإصلاح على نتائج عملهم بالملموس، ومن هذا المنطلق يمكن أن نبدي بعض الملاحظات الأولية على ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية:

- يبدو أن فريق العدالة والتنمية في البرلمان اليوم هو أشرس من فريق الأصالة والمعاصرة المفروض أنه في المعارضة، وجل تدخلاته تكون قوية وتصل أحيانا لدرجة العنف مع بعض الوزراء، وهذا معطى أول سيجعل مصير الأغلبية دائما مطروحاً، خصوصا في التصويت على بعض القوانين الأساسية.

- ظهر بعض الوزراء بشكل ضعيف، بل منهم من ظهر بشكل سخيف، كالسيدة بوطالب، كاتبة الدولة في السياحة، وكان المفروض أن تهيء أجوبتها بدل أن تعطي صورة سلبية جدا عن حكومة تعاني من الهشاشة في المصداقية أمام الرأي العام.

- عدنا في بعض أطوار المساءلة الحكومية إلى عهد قصائد المديح، خصوصا عندما انبرى النائب عبو ليمطر السيد عزيز أخنوش بقصائد الغزل عندما قال: "ما جيتش نسولك ولكن نهنيك على ديك الاختصاصات اللي عطاك سيدنا في الوزارة نتاعك والاجتماع اللي درتي معانا حنا الفلاحة راه بحال عيد وطني"!!، إن هذا بطبيعة الحال يزيد في تذمر رأي عام يبقى في مخياله أن السيد رئيس التجمع الوطني للأحرار هو الذي نفذ عملية الإطاحة بابن كيران.

- تم بشكل غريب منع ندوة عادية تحمل من العناوين "الملكية البرلمانية"، وكان سيحضرها أكاديميون من دول مختلفة، مما يجعل الإنسان في حيرة مدوّخة، خصوصا وأن مثل هذا الموضوع هو في البرنامج السياسي أصلا لحزب موجود في البرلمان، وهو الاشتراكي الموحد، فما الخطر الداهم الذي سيأتي به أكاديميون ليس لهم إلا الفكرة  والرأي؟

- جمع السيد رئيس الحكومة الأغلبية زائد وزير الداخلية السيد لفتيت، وتوضح أن وزير الداخلية هو تقريبا الذي جمع هذه الأغلبية ليزودها بمعطيات "خطيرة" حول الحراك الذي تعرفه منطقة الحسيمة، ليخرج زعماء هذه الأغلبية وهم يصبون جام غضبهم على انفصاليين مفترضين مدسوسين في الريف وعلى أياد أجنبية خفية، وهذا أسلوب غريب لا ينتمي لصورة الحكومة التي قدمها لنا السيد العثماني.

ففي كل مناطق المغرب هناك مطالب اجتماعية يتحول الألم بأصحابها إلى مواقف سياسية، بما في ذلك الجنوب، وحتى إن كان هناك انفصاليون فتجب معاقبتهم إذا ثبت أنهم شرعوا بالعنف في المس بالوحدة الترابية، أما إنكار أن عمق الحراك في الريف هو فشل حكومي في تدبير شؤون الساكنة هناك، فهذا هو الحول السياسي بعينه.

إنها ملاحظات متفرقة، ولكن رأيي أنها دالّة وتؤكد أن الخلطة الحكومية اليوم لن تسعف رئيسها في إيجاد خيط ناظم للذهاب بها بعيدا، وأتمنى أن تكذبني الأيام، ولكننا سنقف في المقبل من الزمن الحكومي على الخبط والتخبط والترقيع والدوران، والأمل الوحيد أمام هذا الفريق، الذي يعاني من عجز شديد في المصداقية أمام المواطنين العاديين، هو أن يقع تعديل في الطريق ليعيد إصلاح بعض الثقوب قبل أن تتسع، إلا أن هذا الاحتمال بعيد. في السياسة لا تكفي المهارة في التنفيذ حتى ولو تم النجاح في ترتيب الأولويات، ولكن لابد من الفكرة الخلاقة التي تهزم مشكلات الواقع المعقدة، وعندما تأتي الفكرة، لابد لتطبيقها من ركنين: أولا المهارة، وثانيا المصداقية، وهذه الأخيرة هي وقود التعبئة، وعندما يستطيع سياسي في موقع القرار أن يعبئ الناس، فحتى لو طلب منهم بعض ما يملكون في إصلاح معين، فإنهم يستجيبون، والعكس صحيح، فبدون اقتناع الناس بصفاء منشئك و نقاء عملك فانهم سيتصرفون بشكل سيبدو للحكومة الغافلة غدا وكأنها تقود الناس للجنة بالسلاسل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيير طريقة الحساب تغيير طريقة الحساب



GMT 04:35 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 12:45 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

المغرب المحاصر

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المغرب والخليج بين ثورتين

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 09:01 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca