مفارقة الجزائر بين واقع متحرك ومسؤولية ثابتة

الدار البيضاء اليوم  -

مفارقة الجزائر بين واقع متحرك ومسؤولية ثابتة

بقلم - عبد الحميد الجماهري

أقر القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء، رقم 2468، مسؤولية الجزائر الثابتة كطرف من أطراف النزاع في القضية، وفي الوقت ذاته، تعرف الجزائر وضعا متحركا، مطروح عليه إعادة النظر في شرعية المؤسسات القائمة. 
من جهة، حدث ما لم يقع منذ بداية النزاع في الصحراء المغربية سنة 1975، وتمت تسمية الجزائر كطرف من أطراف النزاع ذات مسؤولية مباشرة في البحث عن حل، وفي الوقت نفسه، هناك حالة ثورة في بلاد المليون شهيد ديدنها إعادة النظر، إن لم نقل ثورة لتغيير شرعية مؤسسات الدولة برمتها.
وعليه، فإن السؤال الذي على الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة الجواب عنه هو: كيف ستساهم الدولة الجزائرية في البحث عن الحل، ابتداء من يونيو القادم، إذا كانت هذه الدولة ونظامها في وضع من سيرحل؟
*لا شك أن العالم، ومنه المغرب، سينتظر مآلات الثورة اليوم، وتنازع السلطة في الجارة الشقيقة، وسيكون علينا أن ننتظر إلى أين ستسير الأمور.
بمعنى آخر، هل سيستمر نفس النظام الذي كتب في حمضه النووي “ADN” العداء للمغرب، كأساس من الشرعية في الوجود، لتدبير الدولة، أم سيؤول إلى نظام آخر، بمواصفات أخرى لا تشكل العداوة للمغرب إسمنتا لتسييج شرعية الحكم، نظام لا يعتبر بأنه مطالب بأن يستجيب للمركب العسكري المصالحي الذي فرض عقيدة الديبلوماسية والاقتصاد المعاديين للمغرب؟
نأمل أن إسقاط شرعية النظام في الجزائر سيكون ببناء شرعية جديدة، أساسها الانتقال الديموقراطي، وأيضا التحول نحو البناء المغاربي، وهذا قد يسهل بين الأنظمة الساعية إلى البناء الديموقراطي في علاقتها مع شعوبها ومع العالم، كما في حالة فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الفاشستيات العسكرية والأحزاب العنصرية….
* من المعروف أنه ابتداء من الستينيات كانت هناك نزعتان في النظام الجزائري، نزعة تقول ببناء فضاء مشترك وعدم الزج بالجزائر في عداء مغربي، ونزعة أخرى قوامها الجيش ورجال المصالح الاقتصادية، الأولى تقول بعدم تقديم أي تنازل للمغرب والثانية تدعو إلى منافسة عدائية قوامها القيام بدور إقليمي اقتصاديا يقزم المغرب، وقد انتصرت النزعة العدائية على الأخرى، واليوم يوجد هذا العداء على المحك لأن أصحابه (الجيش والأعمال) يوجدان على رأس المطلوبين من الشعب الجزائري، لتقديم الحساب، ثم الرحيل.
* في الصراع الذي فرض على بلادنا، توجد الجزائر ضمن كوكبة الدول الفاعلة في الملف. كانت الحقائق السياسية تقول ذلك، واليوم يقولها القانون الدولي ممثلا في القرار الأممي، وهذا تحول كبير، لا يمكن أن يأخذ مداه إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار ثلاث دلالات أخرى:
– العوامل المؤثرة ممثلة في عامل القانون الدولي، والعامل الجيواستراتيجي والاقتصادي والسياسي والإنساني،عموما، في المنطقة وفي الجوار.
– الدول المعنية، وهي إسبانيا وفرنسا وأمريكا، وبالنسبة لإسبانيا يمكن لخروج مدريد من دائرة دول التوتر مع المغرب أن يلعب من أجل تشجيع تيارات المصالحة مع المغرب على البروز وتحمل المسؤولية في تحولات المنطقة.
وهناك عامل آخر هو الأطراف المعنية، كما حددتها الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة، وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليزاريو، والجزائر بالأساس لم تعد تملك هامش المناورة وادعاء الحياد أو التشبث بالظلال في معركة هي في قلبها.
وأخيرا مستوى المحيط المباشر، ويتعلق الأمر بالتوتر المغربي الجزائري بأبعاده كلها، وتحديدا الحدود والعداء الديبلوماسي، ثم توترات شمال إفريقيا في تونس وفي ليبيا بالتحديد، وأيضا الجوار في الصحراء والساحل، والذي تعاند الجزائر في إبقائه ضمن العقيدة السابقة، أي كامتداد للحلم الليبي القديم بالرغم من التحولات الجوهرية، التي مست هذه المنطقة (ألف مليار دولار كناتج خام وستمائة مليون نسمة).
كل هذا يدعو إلى قراءة الوضع الجزائري قراءة جديدة، بناء على الالتزامات بمحددات التسوية من جهة، وفعالية تحميل المسؤولية للجزائر من جهة ثانية.
كيف لبلاد تعرف وضعا ثوريا، أن تكون فيها الدولة قادرة على تثبيت السلام في المنطقة، وكيف يمكن تأمين الانتقال الديموقراطي بالسلم الجيواستراتيجي؟
لحظة شكسبيرية محضة في زمن موزع بين الرغبة والإرادة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفارقة الجزائر بين واقع متحرك ومسؤولية ثابتة مفارقة الجزائر بين واقع متحرك ومسؤولية ثابتة



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca