أخيرا ربحنا 8 نقط… في الفساد!

الدار البيضاء اليوم  -

أخيرا ربحنا 8 نقط… في الفساد

عبد الحميد الجماهري

يحق لعبد الإله بنكيران أن يردد مع محمود درويش:
- عَمَّ تبحث يا فتىً في زورق ِ الأوديسةِ المكسور ِ؟ 
وأن يجيب بما امتلأت به قريحته المنكسرة:
- عن جيش ٍ من الفاسدين يحاربني ويهزمني لعلي أنطق بالحقيقة
ثم يسأل مع الشاعر مجددا:
- عَمَّ تبحث يا فتىً في زورق الأوديسةِ المكسور ِ؟ 
- عن جيش من الأساتذة والممرضين أحاربهُ وأهزمهُ..
ويكون المنهزم والمنتصر في حربين غير متكافئتين.
فقد رمت في وجهه - وفي وجهنا أيضا - جمعية ترانسبارانسي ما لا يليق بأن يكون تلويحة سعيدة لتوديع ولايته الحالية.
وأخبرته كما أخبرتنا بأن «الفساد في المغرب يزيد استشراء»، وأن «الفساد السياسي يقذف بالمغرب إلى المرتبة 88 عالميا».. من بين 167 بلدا شملته الدراسة.
وكانت أرقام المنظمة الساهرة على الشفافية في العالم صادمة للغاية.. وقد وزعتها على العالم، بما يكشف حقيقة مرة يتعايش معها النظام السياسي.
فقد حصل المغرب على ما مجموعه 36 نقطة من أصل 100 نقطة ممكنة، مسجلا تراجعا في التنقيط والترتيب معا مقارنة بنتائج العام الماضي، حيث كان تقرير السنة الماضية قد وضع المغرب في المرتبة 80 عالميا بما مجموعه 39 نقطة.
وبذلك نكون قد ربحنا 8 نقط فاسدات! جعلتنا «ضمن النقط السوداء البارزة في تقرير هذا العام»، حيث ذكرت أن جل البلدان تمكنت من المحافظة على تنقيطها وترتيبها، باستثناء خمسة بلدان عربية على رأسها المغرب، وتضم أيضا كلا من: مصر، ليبيا، سوريا وتونس. 
وعلينا أن نقرأ هذه الرباعية من زاوية الربيع العربي مرتين:
الأولى أن الدول التي حشرتنا وسطها ترانسبارانسي مازالت كلها لم تتعاف من هزات الربيع وارتداداته، وهو الحراك الذي جاء فعليا لكي يقتلع جذور الفساد!
والزاوية الثانية هي إثبات دولي بأننا لم نغادر الدائرة المرة، وأن حزب الاستاذ عبد الاله بنكيران الذي رفع شعار «محاربة الفساد والاستبداد» يخرج من الحكومة وقد ربح الفساد ثماني نقط حاسمة!
ليس لنا أن نصدر الحكم على القدرة على محاربة الفساد من عدمها، فتلك قضية أمام الرأي العام الناخب، لكننا يمكن أن نقيس درجة التحقق (شرعية الانجاز كما يقال) من القدرة على تنزيل الشعار السياسي ..
يبدو السيد الرئيس مثل العبد مملوك في مسرحية سعد الله ونوس: الشخصية التي كانت تتمنى أن تصل الى الحكم ليلة واحدة لتقضي على أنواع الجور وتنشر العدل في يوم واحد، فقضت المدة وهي تتجول بين أركان القصور ودهاليز السرايا!
وقد عزا التقرير هذا التراجع بالدرجة الأولى إلى استشراء الفساد السياسي.. وهو ما يعني أن سياسة فاسدة تستطيع أن تقهر ألف ربيع..
وقد تعطلت المواجهة، وكان الاستاذ عبد الإله بنكيران نبيها عندما قال إنني لا أحارب الفساد بل الفساد يحاربني..
ولعلها عبارة تود أن تقوم بدور أكبر من دورها، أي أن تكون التعويض البلاغي عن فشل سياسي.
لعل من ملامحه هو أن الحكومة اختارت السنة الاخيرة لتضع منظومة محاربة الفساد القانونية.
هي بلغة مؤدبة تترك القضية للحكومة التي قد تأتي أو لا تأتي بشعار محاربة الفساد..
ومن شعار إلى شعار ، تتمترس المنظومة الفاسدة في الواقع وتبقى اللغة عند الاستاذ عبد الإله تفقس عصافير للغناء الثوري وتغزل السنابل في المشور السعيد حيث الرئاسة.
قد نقترح الجنون لكي نخرج من المعادلة: نمشي من أقصى الشيء الى أقصاه ونعلن تعايشا مجيدا مع الفساد.
فهو اليوم كامل المواطنة ولعله الوحيد الذي يربح نقطا إضافية كلما أعلنا الحرب عليه، تماما مثل الكيف! 
تتقلص نسبة النمو
وتتقلص مناصب الشغل
وتتقلص الرواتب والمعاشات
تتقلص نسبة السكن 
ونسبة التحضر 
ونسبة محو الأمية..
وحده الفساد يربح نقطا تعادل كل المعدلات في سنة واحدة.. 
لا شيء يعادل الحديث عن الفساد في السياسة، والفاسدون أنفسهم يمكنهم أن يرفعوا شعار محاربته بل يزايدون على الناس الذين يعتدلون في أطروحاتهم:انظروا حولكم فقط وستجدون فاسدين يرفعون الرايات السود في وجوهنا، كما لو أننا نحن الضحايا وهم الجيوش التي هزمت الاستاذ بنكيران.
إن الواقعية النظيفة لم تعد أسلوبا سياسيا، بل أصبح الفساد منظومة سياسية، ويحسن بنا أن نعترف بأن الفساد السياسي، وليس الأخلاقوي، كما يراد للشباب أن يختزل المعركة، هو أسلوب نظامي في الحكم.هذه الحقيقة لا تغيب إلا عندما يزايد السياسيون على بعضهم البعض.
وعندما يتساهل رئيس حكومة جاء على متن الموجة العميقة للحراك الجماهيري مع هذه المنظومة، فتلك طريقة للتعايش لا تعلو عليها أية طريقة ..
لن تعفي الطبقة السياسة المقيمة خارج منظومة الحكم نفسها من وازع الضمير في قضية الفساد السياسي، ولا بمقدورها أن تخفيه، إلا إذا كانت جزءا منه.
الفساد يغذي الارهاب
الفساد يغذي التطرف
والفساد يغذي الانفصال 
والفساد يغذي الفساد وتكتمل المنظومة، ويصبح النصب العمومي عاديا ومسألة وجهة نظر سلوكية فقط..
وإذا ربح الفساد، فاللهم اجعلنا من الخاسرين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخيرا ربحنا 8 نقط… في الفساد أخيرا ربحنا 8 نقط… في الفساد



GMT 12:34 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

الحكومة فين والشعب فين

GMT 23:46 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

طاجين أبريل احترق أو يكاد

GMT 05:51 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

العثماني ولعبة «Rodéo»

GMT 06:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

احذروا ثورة الجياع

GMT 05:55 2017 الخميس ,03 آب / أغسطس

محظيات لا أحزاب

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca