العتبة.. وجهة نظر أخرى!

الدار البيضاء اليوم  -

العتبة وجهة نظر أخرى

حسن طارق

ربما هو الراحل فرانسوا ميتران، من قال إن نمط الاقتراع الجيد هو النمط الذي يستطيع إنجاح أكبر عدد من رفاقي. الجواب الذكي يلخص كل شيء: ليس في الحكاية اختيارات مبدئية مطلقة، وليست هناك مفاضلة سياسية بين أنماط الاقتراع وآلياته، إلا بمقدار المصلحة الحزبية أو السياسية العامة .
لذلك ظلت في كل أنحاء العالم، الأحزاب الصغيرة تترافع من أجل إقرار مبدأ النسبية، تماما كما تدافع أحزاب الأعيان عن الاقتراع الفردي.
في النهاية تصبح أنماط الاقتراع، خلاصة نموذجية لسلسلة من التنازلات والتوافقات والتسويات، بين الرؤى المختلفة للفاعلين الحزبيين، كما يمكنها أن تكون أداة مثالية للتحكم والضبط المسبق للخريطة الانتخابية، دون أن يمنعها مانع – عندما يصبح القانون أداة لعقلنة التاريخ – من أن تشكل، كذلك، تعبيرا عن الحاجة الموضوعية المطابقة للمرحلة السياسية .
ذلك أن الاختيارات المتعلقة بأنماط الاقتراع، خارج طابعها التقني الظاهر، تبقى في العمق محملة برهانات سياسية عميقة .
وبصدد النقاش الجاري حاليا عندنا، تنتصب ملاحظة أولية حول محدودية حقيبة الاختيارات التي طرحت داخل الساحة العامة، حول هذا الموضوع، ذلك أن الجدل اختزل في الإبقاء على العتبة أو تقليصها، وفي الإبقاء على الجزء المتعلق بالشباب في اللائحة الوطنية أو تحجيمه، وتوارت الكثير من المطالب التي طالما غذت النقاش حول طبيعة النمط الانتخابي، مثل المرور إلى نمط اقتراع فردي في دورتين، أو تجاوز وضعية الاقتراع اللائحي المشوه، والذي تحول إلى اقتراع فردي مقنع .
من جهة أخرى، لا نكاد نعرف هل صيغة الإشراف السياسي لرئاسة الحكومة، والإشراف التقني للإدارة الترابية، لا تزال قائمة لحدود اليوم، ذلك أن مبادرة الداخلية بتحضير مشاريع نصوص تذهب في اتجاه تعديل نمط الاقتراع على مستوى عتبة توزيع المقاعد، وعلى مستوى اللائحة الوطنية، تطرح أسئلة حول قراءة هذا الاختيار السياسي، كقرار مركزي للدولة، أو كمجرد خلاصة مؤقتة للاستشارات مع الأحزاب السياسية، ستخضع بدورها لمحددات التداول البرلماني؟
دون ذلك، تجتاح الصحافة المغربية، موجة من التحاليل التي تتجاهل كون المغرب شكل دائما مقبرة للقوانين العامة لأنماط الاقتراع، كما تدرس في كليات الحقوق. لقد كان اليوسفي يردد، دائما، أن نمط الاقتراع الفردي الذي طبق منذ السبعينيات، كان من المفروض نظريا أن يؤدي إلى خلق ثنائية حزبية وهو ما لم يتحقق بسبب التزوير وخلق الأحزاب الإدارية، وعندما تم تغيير النمط إلى اقتراع لائحي بغية تحقيق هدفي التسييس والتخليق، استطاعت بنية الفساد أن تعيد منطق الدائرة الفردية للوجود وأن تعيق تحقق تلك الأهداف. وفي المقابل، فإن موجة الربيع العربي جعلت العدالة والتنمية ينتصر عمليا على إكراهات نمط الاقتراع التشريعي في نونبر 2011، تماما كما جعلته “انتفاضة التصويت السياسي” بالمدن ينتصر على هندسة نمط الاقتراع المحلي التي كانت تفترض صعوبة (أو استحالة) تحكم حزب واحد في أغلبية مجلس مدينة من المدن .
تفسير ذلك أن تعقد المعطى السياسي، قد يجعل الحقل الانتخابي والسوسيولوجي قادرا على تعطيل الآثار المفترضة لأنماط الاقتراع وعلى تحييد فرضياتها، كما قد تجعل في المقابل من القوة الانتخابية المفاجئة للبعض قادرة – في بعض الحالات- على الانتصار على “القوانين العامة” لهذه الأنظمة الانتخابية.
وهنا يتم الترويج، مثلا، لكثير من المغالطات، من ذلك القول بأن عتبة %3 ستسمح بإدماج الأحزاب الصغرى في المؤسسات. الواقع أن هذا الأمر يتعلق بخرافة حقيقية، ذلك أن غياب تطبيق العتبة الوطنية في توزيع مقاعد اللوائح المحلية، لا يطرح أدنى مشكلة حول ولوج الأحزاب الصغرى إلى البرلمان، وهو ما ظل حاضرا دائما، فضلا عن أن الآثار المحدودة لهذا التخفيض، لن تنعكس بالمطلق على نتائج هذه الأحزاب، لأن هذه الآثار في أحسن الحالات ستجعل -غالبا- المقعد الأخير في اللائحة يؤول لواحد من الأحزاب الأربعة الأساسية في المشهد السياسي المغربي .
عمليا وحسابيا، تخفيض العتبة من 6 إلى 3، بالرغم من أنه سيعمل على تخفيض جزئي للقاسم الانتخابي، وبالتالي توسيع دائرة الولوج إلى توزيع المقاعد، فإنه في النهاية سيبقى هذا الولوج المحدود منحصرا أساسا بين المتنافسين الأربعة الكبار داخل المدن، وجزئيا بين هؤلاء المتنافسين ومرشحي الأحزاب المتوسطة داخل العالم القروي. كل هذا يعني أن الآثار المفترضة لهذا التخفيض – رغم طابعها التراجعي في مسار الإصلاحات الانتخابية – لن تمس في النهاية التوازنات العامة الحقل الحزبي.
كل ما هناك أن هذا النقاش طرح من جديد تقاطبا مبنيا حول الحجم التنظيمي والانتخابي، بين أحزاب كبيرة وأحزاب صغيرة، ويبدو أن البعض غامر بالإعلان المبكر عن معركة تخفيض العتبة، بالرغم من أن هذه المعركة غير محسومة من حيث المصلحة الانتخابية والنتائج الحسابية، وهو ما كشف، بشكل مفضوح كيف تستبطن بعض الأحزاب تمثلا حول ذاتها، باعتبارها أحزابا صغيرة، وهو ما من شأنه أن يعمق أزمة صورتها لدى الرأي العام !

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العتبة وجهة نظر أخرى العتبة وجهة نظر أخرى



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca