هجمات بروكسيل و سؤال العنف

الدار البيضاء اليوم  -

هجمات بروكسيل و سؤال العنف

يوسف بلال

تفجيرات بروكسيل تثير العديد من التساؤلات حول إشكالية العنف وأسبابه، فالعديد من البلجيكيين والأوربيين يطرحون العديد من الأسئلة، منها: كيف يمكن تفسير ممارسة العنف الذي يستهدف المدنيين في المدن الأوربية؟ ومن المنتظر أن تحديد أسباب العنف المستهدف للمدنيين الأوربيين سيسمح للدول الأوربية بأن تتطرق لها وأن تحمي المجتمعات الأوربية من تفجيرات أخرى في المستقبل. وهذه التساؤلات مشروعة لأن جميع المجتمعات الإنسانية تطمح إلى أن تعيش في أمن وأمان واستقرار. والجواب السهل عن سؤال العنف يتجلى في اتهام تعاليم  الدين الإسلامي وجعله «السبب» الذي يفسر لجوء بعض الشبان إلى العنف. وفي الواقع، الأغلبية الساحقة من المسلمين تعلم أن هذا الاتهام زائف، لأن أغلب مرتكبي أعمال العنف لا يعلمون الكثير عن الإسلام، بل كانوا يمارسون أعمال العنف حينما كانوا منتمين إلى عصابات إجرامية قبل انتمائهم إلى مجموعات تابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش». وجزء كبير من المتورطين في أعمال العنف «السياسي» في بروكسيل وباريس لم يعرفوا من المجتمعات الأوربية سوى التهميش والعنصرية والعنف النفسي، وهي حالة تمس جميع أبناء الجالية المسلمة المنحدرة من شمال إفريقيا. ودون شك فإن الحروب التي تشنها أوربا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أو تساهم في استمرارها، تشكل كذلك جزءا من الجواب عن سؤال العنف، حيث إن قرار شن هذه الحروب تكون له عواقب. والأكيد أن التكنولوجيا العسكرية الحديثة التي تسمح للدول الصناعية بأن تخوض هجمات عسكرية تبعد عن التراب الأوربي آلاف الكيلومترات توهم المجتمعات الأوربية بأنها غير معنية بهذه الحروب، وأنها محصنة من أي عواقب أو هجمات تشكل ردود فعل لقرارات 
حكوماتها. والصحفي أو «الخبير» أو السياسي  الأوربي الذي يركز على الأسباب «الدينية» لا يرتكب خطأ فكريا فحسب، بل يتهرب من البحث عن الأسباب العميقة لعمليات عنف الشباب الأوربي لأن التركيز على الإسلام يسمح للمجتمعات الأوربية بأن تتهم الآخر المسلم عوض أن تراجع نفسها وأن تسائل خطابها وممارستها العنصرية والتهميشية تجاه مواطنيها المسلمين منذ أكثر من أربعة عقود. وما دامت المجتمعات الأوربية ترفض الإصلاح الجذري لسياستها الاجتماعية والثقافية في اتجاه تحديد هوية جماعية تحترم المسلمين وتعتبرهم جزءا لا يتجزأ من هذه الهوية، ستظل أوربا غير محصنة من عنف تولده العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية التي تتحكم فيها حكوماتها. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هجمات بروكسيل و سؤال العنف هجمات بروكسيل و سؤال العنف



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca