الجمل بما حمل

الدار البيضاء اليوم  -

الجمل بما حمل

بقلم : جمال بودومة

سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، شكّل الحكومة أو أعاد المفاتيح إلى أصحابها، سيبقى عبدالإله بنكيران شخصية فريدة في التاريخ السياسي المغربي، اختلطت فيها توابل درامية قلما تجتمع في شخص واحد. دمعته سهلة، ضحكته مُجلجِلة، كلماته عفوية، مواقفه غير متوقعة، عناده بلا حدود، لكنه يستطيع التحكم فيه. شخصية بنكيران، تخفي ملامح كوميدية، تظهر في الخطب والقفشات والقهقهات، التي تنوب عن الشروحات الطويلة أحيانا، حتى في عز الأزمات. ولعله أول مسؤول يقحم الحياة الخاصة في السياسة، بسلاسة مدهشة، لدرجة يصعب معها أن نعرف الحد الفاصل بين الخاص والعام في حالة رجل لا يتردد في الاستنجاد بقصصه العائلية والشخصية كي يشرح موقفا أو يوضح تفصيلا أو لمجرد إبهار من ينصتون إليه. عن قصد أو غير قصد، يتقن بنكيران نقل حياته الخاصة إلى المجال العام، من خلال استعمال محكم لتقنيات التواصل الحديثة، سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الحوارات والتصريحات الصحافية أو من خلال تلبية دعوات إلى حضور ندوات ومناسبات ومجالس، يحولها إلى منصات لإطلاق جمل وعبارات تثير الدهشة أو التعاطف أو الجدل أو الضحك.

الوفاة التراجيدية لرفيق دربه عبدالله بها، عمقت البعد الدرامي في شخصية الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، وكشفت الوجه الإنساني لرجل تنزل دموعه كلما تذكر صديق عمره. مؤخرا، عندما قرأت ما نقله على لسانه الزميل يونس مسكين في “أخبار اليوم” بمناسبة رحيل والدته، تغمدها الله برحمته، اعتقدت أنني أطالع صفحات من كتاب “الأيام” لطه حسين أو “الخبز الحافي” لمحمد شكري أو إحدى مسرحيات وليم شكسبير: الرجل فقد شقيقه في اليوم الذي مات فيه بها، بل في الساعة نفسها والعهدة على مسكين… مسكين بنكيران، المصائب تنزل على رأسه دفعة واحدة، لكنه بدل أن يحتفظ بالحزن لنفسه وللمقربين منه، يفضل أن يشاركه مع المغاربة أجمعين، بدل أن يضمده في صمت، يجعل من جرحه “معرضا لسائح يعشق جمع الصور”، كما يقول محمود درويش.

عندما أثير لغط حول التصريحات التي شبه فيها النساء بـ”الثريات” وامتدت الاحتجاجات إلى البرلمان، استطاع أن يقلب الموقف في أقل من دقيقة. برلمانية الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل ثريا لحرش، التي أحست أنها معنية أكثر من أي امرأة أخرى بقضية “الثريات”، بسبب اسمها على الأرجح، جاءت إلى الجلسة الأسبوعية وهي ترفع لافتة تستنكر تصريحات رئيس الحكومة، فيما يحاول رفاقها التشويش على كلمته تحت القبة، وفجأة سمعنا بنكيران يقول للبرلمانية: “قلبي اللافتة قلبيها!”… وذهبت الكاميرا نحو الصف الذي يجلس فيه المحتجون لنرى ثريا لحرش تقلب اللافتة بارتباك وعلى عجل، مما أثار موجة من الضحك…

كثيرا ما ينتصر بنكيران على خصومه بضحكة أو قفشة أو بلاغ قصير، كذلك الذي قصف به عزيز أخنوش مساء الأحد، وختمه بعبارته الأثيرة: “انتهى الكلام”، واضعا حدا لمسلسل مكسيكي عنوانه: “هيا نشكل الحكومة!”

ثلاثة أشهر من المشاورات واللقاءات والضغوطات والمفاوضات السريالية، كلما تراجع فيها خطوة يهجمون عليه خطوتين، حتى لم نعد نعرف من كلفه الملك بتشكيل الحكومة، بنكيران أم أخنوش؟

ما إن انتصر “المصباح” في الانتخابات وتنفست عجلات “الجرار”، حتى كلفوا وزير الفلاحة بتربية “الحمام”، أركبوه “حصانا” ووضعوا في يمناه “سنبلة”، وفي يسراه “وردة”، وأرسلوه كي “يوقف البيضة فالطاس”. المهمة الأولى كانت إبعاد “الاستقلال” عن الحكومة، انتقاما من حميد شباط، الذي رفض “الانقلاب” على صناديق الاقتراع، كما خطط من يصنعون الشمس والمطر والخرائط الانتخابية، في اليوم الموالي للاستحقاق. فشلوا في الانقلاب ونجحوا في الانتقام، بعد أن استغلوا تصريحات شباط حول موريتانيا، مثلما استغل الفرنسيون “ضربة المروحة” كي يستعمروا الجزائر. ثلاثة أشهر من الأخذ والرد، لخصها بنكيران في قصة “الشناق” الذي التقى بدويا يريد بيع جمل، وبعد أن فحصه صار يتكلم بلغة الجمع: “شحال غادي نطلبو فيه؟”. اليوم، ها هو بنكيران يشرح لهم بالخشيبات أن حزبه فاز بالانتخابات التشريعية، فإما أن يتركوه يشكل الحكومة أو يترك لهم “الجمل بما حمل”!

المصدر: جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجمل بما حمل الجمل بما حمل



GMT 09:04 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

جمال بدومة يكتب.. هذا الميت سيعيش طويلا!

GMT 05:15 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

قبل فوات الأوان!

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 09:55 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 09:52 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca