مذكرات فنان فاشل

الدار البيضاء اليوم  -

مذكرات فنان فاشل

بقلم : جمال بودومة

أنا فنّان فاشل، لكن بخلاف زملائي في المهنة – أقصد مهنة الفشل- أملك الجرأة الكاملة لأعترف بذلك. عوض أن أربّي الشعر واللحية والكرش والأوهام، وأتجول بين المقاهي والحانات بحثا عن الأدوار والشهرة، قرّرت أن أعتزل وأحكي لكم قصتي مع الفن والنجومية، لعلها تكون عبرة لمن هم في بداية المشوار. “المشوار السعيد” الذي يحلم آلاف الشباب بالمشي فيه، و”اللسان ما فيه عظم”.

أنا أيضا، كنت أحلم أن أصبح مشهورا وأظهر في التلفزيون والسينما ويصفق لي الجمهور. كنت أتمنى أن أضع على وجهي نظارات سوداء وابتسامة صفراء، وأن يعرفني الناس وأنا أمشي في الشارع كما يليق بأي نجم. ولِعلْمِكم فإن المشاهير يضعون النظارات الشمسية لكي يثيروا الانتباه وليس العكس، وهذه مسألة لا يعرفها إلاّ المجرّبون. بلا نظّارات لن ينظر إليك أحد، وستمرّ كأيّها الناس، كلما كانت النظارات كبيرة وغريبة، كلما نظر إليك الناس بفضول وهم يتساءلون: من يكون؟

أنا أيضا، كنت أحلم أن يوقفني المعجبون والمعجبات ويطلبون مني أوتوغرافات وصور. كنت أريد أن أصعد أعلى، إلى القمّة، كنت أريد أن أصل. لكنّني سقطت في أول الطريق وتكسرت أحلامي. لم يقطر بي السقف، لم أجئ من فراغ. تتلمذت على يد رواد كبار في دار الشباب وقطّعت أحذيتي على خشبات المسارح، أجريت مئات “الكاستينغات” بشعر طويل وبشعر حليق وبلحية وبشارب ومن دونهما، وقضيت شهورا في ورزازات، حيث تمكنت من الظهور في عدة أفلام عالمية، دائماً وسط جوقة تهلل لصلب المسيح عليه السلام… رغم ذلك، لم أحقق ما أصبو إليه. أمرّ في السوق ولا يتعرّف عليّ إلا الخضّار والجزّار وبائع السمك… كلّهم ينتظرون أن أسدّد لهم ما عليّ من ديون. أدخل إلى المقهى ولا يعرفني إلا صاحب البيت الذي لم أدفع له الإيجار، ويتربص بي منذ أربعة أشهر، ولو عرفت النذل الذي يدلّه على مكاني لكسّرت له وجهه. الأدوار التي أدّيت كانت صغيرة جدّا، لذلك لا يتذكّرني الجمهور. لم أوقّع أوتوغرافا واحدا في حياتي، رغم أنني قضيت أكثر من عشر سنوات في الميدان الفني.

أنا فنان فاشل، لأن المخرجين والمنتجين والمسؤولين لم ينتبهوا لموهبتي. العالم كله لم يفهمني. عندما أقول العالم أفكر في المغرب. أفكر في هذه البلاد المليئة بالمتخلفين الذين لا يفهمون. هؤلاء الحقراء الذين ينتقدون كل شيء ولا يعجبهم العجب. لأنهم أميون، منافقون، أغبياء، متخلفون، مدّعون، مكبوتون، جائعون، حيوانات.. دعوني أفجّر عليكم حنقي. خمسة عشر عاما ولا أوتوغراف واحد أيها الأوغاد. أيّها السفلة. أيّها الرعاع!

أنا فنان فاشل. تأكدت أنني لن أصير مشهورا، لذلك قررت أن أضع حدا لـ”الكاريير”، وأفتش عن مهنة أخرى. لقد قمت بالإجراءات اللازمة للحصول على رخصة تاكسي صغير، في انتظار أن تردّ العمالة على الطلب الذي وضعت معززا بصور من الأفلام والمسرحيات التي لعبت فيها، مع نبذة عن سيرتي الفنية. في سيارة الأجرة، على الأقل، سألعب دورا واحدا وسأتقنه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذكرات فنان فاشل مذكرات فنان فاشل



GMT 09:04 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

جمال بدومة يكتب.. هذا الميت سيعيش طويلا!

GMT 05:15 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

قبل فوات الأوان!

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 09:55 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 09:52 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca