“أرض الله واسعة”

الدار البيضاء اليوم  -

“أرض الله واسعة”

بقلم : جمال بودومة

بعيدا عن “التعامل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي” و”تماسك الحزب” و”مصلحة الوطن” و”التفكير في المستقبل”… وغيرها من الحبوب المهدئة، التي يُدمن عليها “يتامى” بنكيران هذه الأيام كي يتحملوا الوجوه التي رأوها تتحلق حول الملك الأربعاء الماضي في القصر الملكي، سيذكر التاريخ أن سعد الدين العثماني قبِل التكليف مكان رفيقه في الحزب، وشكّل حكومة لا يملك عليها أي سلطة، بعد أن وافق على الشروط التي رفضها سلفه. وهذا يشبه، مع الفارق ما قام به محمد بن عرفة عام 1953، عندما خلع الفرنسيون السلطان محمد الخامس، وألبسوه سلهاما أكبر منه، كي يجلس على العرش ويوقع الظهائر التي كان يرفض محمد بن يوسف أن يضع عليها خاتمه الشريف.

بنكيران أمضى ستة أشهر وهو يقاوم المناورات وقشور الموز، متخذا من الحزب والشعب شاهدين ضد من يريدونه أن يزلق ويسقط على قفاه، ولما تعب سكان الطابق الأعلى من “صلابة رأسه”، قرروا إزاحته من المشهد. حين فتشوا عن بديل، عثروا على الدكتور، الذي قبِل أن يؤدي دور البطولة في مسرحية هزلية، يلعب فيها محمد حصاد دور وزير للتربية الوطنية عن حزب “الحركة الشعبية”، مختصراً تلك المسافة الشهيرة بين الألف والزرواطة!

السياق مختلف طبعا، وشتان بين الاستعمار والاستقلال، لكنه حكم القوي على الضعيف، وطعنة غادرة من المقربين. العثماني أخ بنكيران في الحزب والنضال، من أيام “الجماعة”. لكل انتكاسة وجه، ولكل هزيمة اسم. لكل مسيح “يهوذا” …!

رغم أن الجرأة لم تعد رياضة شعبية في الصحافة المغربية، والأكثر شجاعة بين الزملاء يكتفون بالتلميح، لا بأس أن نسمي الأشياء بمسمياتها كي نفهم أحسن: ليس هناك أي زعيم سياسي اسمه عزيز أخنوش، إنها شخصية وهمية اخترعها الحكم للتحكم في المسار السياسي للبلاد، وإغلاق القوس الذي اضطر إلى فتحه إبان ما سُمي بـ”الربيع العربي”. بنكيران كان يدرك ذلك جيدا، منذ استقبل الملياردير السوسي أول مرة، ومع ذلك تصرف كأنه لا يفرق بين الوجه والقناع. كان يعرف أن الشخص الذي جاء للتفاوض معه مجرد “مسخر”، ومع ذلك أعطى الانطباع أنه يتصرف معه كزعيم يرأس تكتلا حزبيا حقيقيا، ولم يتردد في الرد عليه بكل ما يملك من عناد وسخرية. كان يمكن أن يختصر الطريق ويقول لمن يهمهم الأمر: وصلت الرسالة، ثم يغير خطته أو يعيد المفاتيح إلى أصحابها، ويضع حدا للملهاة، لكنه فضل العمل بالحكمة المغربية الشهيرة: “سير مع الكذاب حتى لباب الدار… ويلا اقتضى الحال طلع معه للسطح!”، هذا بالضبط هو ما جعل الذين يحركون الدمى في الكواليس يفقدون صوابهم، ويزدادون حنقا على الرجل الذي تصرف معهم بعقلية “هبل تربح”.

عندما أُنزل أخنوش بمظلة على رأس “الأحرار”، وشرع في التفاوض مع بنكيران باسم دزينة من الأحزاب، اتضحت الصورة عند كل من يفهمون خبايا الأمور. أخنوش يتحدث باسم أشخاص أقوياء لا يودون الظهور في المشهد. بنكيران لا يرضع إصبعه، ومن السذاجة الاعتقاد أنه لم يفهم الرسالة. لكنه بدل أن يستوعب المغزى ويتصرف وفق ما يمليه ميزان القوى، تمادى في العناد، و”بهدل” ساعي البريد. ظل يردد أن الإعفاء أفضل من الانحناء، ويقصفهم بـ”انتهى الكلام”و”أنا رئيس الحكومة” و”ماكتعرفوش عبدالإله بنكيران!”… بدل الانحناء أمام العاصفة، فضل المواجهة. لكن مع من؟ علينا أن نكون واضحين، ونسمي القط قطا والفأر فأرا!

لقد أشرع “العدالة والتنمية” أبوابه على المجهول، منذ اليوم الذي قبل فيه العثماني قيادة الحكومة بدلا عن بنكيران، وحصل على “كارت بلانش” من طرف الحزب. ولا يسعنا إلا أن نتساءل: إلى متى ستصمد البراغماتية التي يدير بها “البيجيديون” نكستهم؟ ليس لدى القيادة من خيار آخر غير التخفيف مما نزل. بنكيران نفسه يردد أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، ولا بديل عن دعم حكومة العثماني، ملمحا إلى أن وقت المحاسبة سيأتي فيما بعد، داخل مؤسسات الحزب. أي محاسبة؟ السلطة تمنح عضلات وأجنحة. ولا شك أن العثماني سيتقوى مع مرور الأيام والحقائب، بفضل رئاسة الحكومة، ويمكن أن يحشد إلى صفه كثيراً من القيادات والقواعد. الإنسان طماع بطبعه، والمصالح تصنع المعجزات. والخشية كل الخشية أن تسير الأمور كما سارت عليه قبل عشرين عاما، وتمشي عجلة الحكومة في جهة وعجلة الحزب في أخرى، وأن يكون مصير الغاضبين في “العدالة والتنمية” مثل مصير الساسي والأموي والسفياني وأقصبي، وغيرهم من “الاتحاديين” الذين رفضوا مشاركة حزبهم في حكومة التناوب، ورد عليهم عبدالرحمان اليوسفي من قمة السلطة: “أرض الله واسعة”!

المصدر : اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“أرض الله واسعة” “أرض الله واسعة”



GMT 09:04 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

جمال بدومة يكتب.. هذا الميت سيعيش طويلا!

GMT 05:15 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

قبل فوات الأوان!

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 09:55 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 09:52 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca