سيفتقده العرب والفكرُ والأدب

منح الصلح "مُعلِّمي" وداعًا

الدار البيضاء اليوم  -

منح الصلح مُعلِّمي وداعًا

بقلم : زكي شهاب

غيَب الموت ظهر اليوم السبت  الكاتب و المفكر العربي الكبير منح الصلح بعد عمر حافل بالعطاء كان وقع الخبر مؤلمًا وصعبًا على مسامعي،إذ لم يكن "البيك " شخصاَ عاديا بالنسبة لي . كان أستاذي و صديقي ورفيقي الذي تتلمذت على يديه ، وبقدر ما كان على قدر كبير من التواضع , كان الصلحي الشاب  يطرب لسماع أرائه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر, ويبتسم له الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ويتسابق علي كسب ودًه كل من الرئيسين الراحلين حافظ الأسد و صدام حسين .

منح عادل بك الصلح سليل عائلة لبنانية عربية عريقة ساهمت في صنع الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي في العام 1943. 
لم تكن المناصب التي تقلّدها منح بك في حياته على الصعيد الرسمي أكثر ما يتذكره اللبنانيون، إذ يكفِ القول" منح بك" حتى تعرفه أجيال كانت رائدة منذ خمسينات وستينات القرن الماضي . لا أذكر يومًا طمع فيه منح بك بمنصب في حياته فقد عايشت رفضه لتشكيل حكومة كان ينوي الرئيس اللبناني أمين الجميل تكليفه بها في مطلع الثمانينات.
وعندما كان البيك، يشغل منصب مدير القصر الجمهوري في عهد الرئيس فؤاد شهاب, كان يحاول حينها أن يحفظ للبنان توازنه واستقلاله وسيادته والحفاظ على دوره العربي في أن معاً ,  وربما لهذا كان يفاخر مع أعمامه تقي الدين وعماد الصلح بكل دور يُذكر لهما في تأسيس الجامعة العربية في القاهرة.
 كان الفقيد مدرسة تعلّمت منها وعلى يديه الكثير, فبفضله تعرَّفتُ على كل قطر عربي وأحببته، وبفضله فهمت عالم السياسة ودهاليزه,  كل قيادات الحركة الوطنية والقومية في العالم العربي كان منح بك "أستاذهم" دون مبالغة.
قيادات حركة القوميين العرب و في مقدمتهم الحكيم جورج حبش ورفاقه كانوا يحبونه ويحترمونه ويتشاورون معه في زمن كان فيه للنضال طعمٌ جميل رغم مرارته. 
ميشل عفلق و أمين الحافظ و شبلي العيسمي وأخرون من قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبرون أفكاره  هي التي أسست لفكر حزب البعث تمهيداَ لإنطلاقته في السابع من نيسان/ أبريل عام 1947.
طلب البعث بجناحيه في سوريا والعراق ودَّه, وكثيرًا ما عرض عليه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس العراقي صدام حسين وقبلهما الرئيس الراحل أحمد حسن البكر كل المغريات ليكون إلى جانب أحد منهم، غير أنَّ "البيك " اعتبر نفسه أبًا للأحزاب أو أنَّه أكبر منها دون أن يوحي بذلك .
 كان منح بك من بين ما يرويه عن تلك الأيام  "كيف لبَى ذات يوم زيارة لبغداد و كلَف الرئيس صدام حسين وزير خارجيته طارق عزيز ليسهر على راحته و مرافقته.  وبمثل هذا الإهتمام عامل الرئيس جافظ الأسد "البيك " و عرض عليه المناصب . لكنه فضَل البقاء بعيدا َ في دارته في رأس بيروت, على كل المغريات .  .
كان زاهداَ في الدنيا ومالها وربما لهذا كسب احترام الجميع، من اليسار و اليمين . و لهذا  كان الملك فهد و من قبله   الملك فيصل   في المملكة العربية السعودية و الملك الحسن الثاني في المغرب يكنَون له المودة و يستأنسون بجلساته و يستقبلونه في صالوناتهم .
 لم يكن "البيك " طائفيًا، في منزله كان يلتقي ابن مرجعيون وجزين ودير القمر  وصور و النبطية مع ابن طرابلس وأنطلياس وغزير والكورة وبعلبك والهرمل.
منح بك لم يكن مدرسة بكل ما للكلمة من معنى، فحسب، وإنما كان معروفاَعربيًا من قبل من في  السلطة, في عالم السياسة, و في نواحي الحياة المختلفة ويتمتع بإحترام الجميع..
 كان رمز فلسطين وشعبها القائد الراحل ياسر عرفات  يبتسم عندما يسألني عن صحة "البيك"، وعندما أسأله عن سر الضحكة يقول "في الأيام الأولى التي تلت تأسيس حركة فتح كان يأتي بسيارته الصغيرة من طراز "فولكس فاغن"  من الكويت إلى بيروت براَ، حيث كان ينشط مع رفيقه القائد خليل الوزير "أبو جهاد" في العاصمة اللبنانية ليتواصل مع شخصيات فلسطينية وعربية كانت تقيم في بيروت تمهيدًا لانطلاقة الحركة وكان منزل منح بك الصلح من محطاته الهامة.
 لم يفُت منح الصلح معرفة معظم العائلات العربية ووجهائها, وكان أول ما يبادر أي شخص يلتقي به، بالسؤال من أي عائلة يكون، حتى يستفسر مفكر العرب الراحل عن حال فلان أو فلان من أبناء هذه الأسرة أو تلك.
وُلد ابن العائلية الصلحية العريقة في بيروت في العام 1927 حيث تربَّى و درس في مدارسها و جامعتها الأميركية.
و رغم كل ما لديه من إرث سياسي وطبقة اجتماعية, كان إبن عادل بك الصلح على غاية كبيرة من التواضع.
 تميّز البيك بحب المعرفة ومتابعة كل شاردة وواردة،و بفضل خبرته ومرافقته تعرفتُ على مفكّري مصر الكبار وفي مقدمتهم أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل ومصطفى وعلي أمين وعلى اخرين لا مجال لذكرهم .
رحم الله شخصية فذة وأستاذ لم يتردد في إسداء النصح لي وسيبقى لـ"البيك" دائمًا مكانٌ في ذاكرتي ووجداني.
• رئيس تحرير " العرب اليوم "
[email protected]

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منح الصلح مُعلِّمي وداعًا منح الصلح مُعلِّمي وداعًا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca