العراق... النظام بين الشرعية والمشروعية

الدار البيضاء اليوم  -

العراق النظام بين الشرعية والمشروعية

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

منذ إعلان استقالة كتلته النيابية من البرلمان العراقي، يمارس زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لعبة شد الحبال مع خصومه الإطاريين، الذين حُرموا مؤخراً من شرعية دستورية اكتسبوها قضائياً وليس انتخابياً، بعدما غادر الصدر البرلمان تشريعياً وما لبث أن عاد إليه شعبياً. فقد عاد الصدر إلى البرلمان هذه المرة من أبواب الخضراء، ونجح في فرض مشروعية شعبية بوجه شرعية دستورية، حققت حتى الآن عدداً من أهدافها، ويبدو أنها تستعد لخطوات أوسع إذا لم تستجب القوى الأخرى لمطالب الصدر.

منذ دخول أنصاره البرلمان ونجاحهم في تعطيله، أنهى الصدر إمكانية الانقلاب عليه، وذهب بعيداً في تحدّيه عندما وضع في الأيام الأخيرة شروطه التي هي أشبه بإعلان استسلام يريد من خصومه توقيعه، ومطالبة السلطة القضائية بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة في فترة محددة، تعني أولاً إخراج السلطة التشريعية من المعادلة نهائياً وهذا ما أثار حفيظة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي رفض مطالب الصدر، وقال المالكي في خطاب ألقاه بمناسبة عاشوراء رداً عليه إنه «لا حلّ للبرلمان ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة المجلس إلى الانعقاد، وهو الذي يناقش هذه المطالب، وما يقرّره نمضي به».
في الوقت الذي رفض فيه المالكي أي تخطٍّ لدور البرلمان، وتمسك بدوره، استطاع الصدر استغلال التباين داخل مكونات الإطار التنسيقي، خصوصاً بعد استجابة بعض أطرافه إلى مبادرة الصدر وإمكانية نقاشها، وهذا سيهدد مستقبلاً تماسك الإطاريين، خصوصاً أن جزءاً منهم غير مستعد أن يكون جزءاً من معركة تصفية حسابات بين المالكي والصدر، فهم أكثر ميلاً إلى التهدئة والتواصل مع الصدر بخصوص مبادرته، ومع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بخصوص دعوته إلى الحوار، وذلك بهدف تجنيب العراق مواجهة دموية تؤدي حتماً إلى انهيار شامل. الكاظمي عاد وجدد طلبه من القوى السياسية أن تتحمل مسؤولياتها بحل موضوع الانسداد السياسي، من أجل مصلحة العراق ومستقبله، وأضاف: «أتمنى من الجميع العمل بكل قوة لحل الانسداد السياسي واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات، وليس لدينا خيار غير الحوار».
برزت أولى علامات مأزق النظام السياسي العراقي الجديد منذ تشكله، وما وصل إليه الآن هو ذروة فشل قوى السلطة في إدارة الدولة والنظام، وهذا ما يفتح جدلاً واسعاً حول جدوى الانتخابات النيابية في ظل هذا النظام، الذي سيعيد إنتاج الأزمة من جديد حتى وإن خسرت بعض القوى حضورها النيابي وتقدمت قوى أخرى. إلا أن في المقاييس العراقية هناك شرعية غير تقليدية للتمثيل ترفض أن يرتبط حجمها وحضورها في الدولة والنظام بحجم حضورها النيابي، وهذا ما سيفتح الأبواب على صراعات أخرى منهكة للجميع.
فعلياً الهوّة بين الطرفين عميقة وهي أقرب إلى انقسام عمودي داخل المكون الواحد، حيث الانقسام بينهما تعدى الخلاف على شكل النظام بل على هويته، وهنا ما يحاول خصوم الصدر استثماره ضده بأن سياساته ومطالبه قد تؤدي إلى خسارة الشيعة موقعهم التنفيذي الأول أو إضعافه وذلك بسبب رفضه التوافق، بينما يرى الصدر أن تشكيل حكومة أغلبية وطنية ورفض التوافقية هو خسارة لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي للسلطة... هذا التباين سيفتح الجدل عميقاً حول تحديد هوية النظام وعقيدته مستقبلاً وهل ستسمح القوى المحلية المتضررة والإقليمية المتنفذة بحدوث هذا التحول.
وعليه وبالنسبة للأغلبية الشعبية التي خرجت في «انتفاضة تشرين» هناك هوية عراقية وطنية مركّبة تتبلور، تختلف عن هوية نظام 2003، ولم يعد هناك قابلية للتعايش بينهما، والانسداد السياسي الحالي ليس نتيجة أزمة انتخابات ولا يُحل بإعادة الانتخابات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق النظام بين الشرعية والمشروعية العراق النظام بين الشرعية والمشروعية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca