روحاني ـ بنس وصندوق البريد اللبناني

الدار البيضاء اليوم  -

روحاني ـ بنس وصندوق البريد اللبناني

بقلم ـ مصطفى فحص

مرة جديدة - ولكنها الأخطر - تُستخدم الجمهورية اللبنانية حيزاً جيوسياسياً لإيصال الرسائل أو تبادلها، ولكن هذه المرة على مستوى غير مسبوق من التصعيد، رسائل توحي بأن شيئاً ما يُعدّ، أو أُعِدّ ولكن تنفيذه بات مرهوناً باكتمال ظروفه المحلية والإقليمية والدولية، التي ستسمح للاعبين بالتقاط الإشارة بأن قواعد الاشتباك تغيرت، وعليهم إعادة ترتيب أوراق قوتهم التي سيلجأون إليها عندما يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام الحيّز اللبناني جزءاً من أدوات الصراع في سبيل حماية مصالحهم التوسعية.
منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استراتيجيته الجديدة للتعامل مع إيران، وأنظار المجتمع الدولي متجهة نحو لبنان، حيث يتضاعف القلق من عدم استطاعة الدولة اللبنانية التكيف مع المتغيرات الدولية وتجنب تداعياتها على لبنان الرسمي، فهي على مسافة أسابيع تقريباً من جلسة الكونغرس الأميركية المخصصة لفرض حزمة عقوبات اقتصادية ومالية جديدة على تنظيم حزب الله، وعلى الكيانات السياسية والاقتصادية التي تدور في فلكه، وتشكل جزءاً من دورة إنتاجه الاقتصادية وسط بيئته الحاضنة، وهي في أغلبها من أبناء المسلمين الشيعة التي ستكون أكثر المتأثرين بالعقوبات، ومن المرجح حسب المعلومات الواردة من واشنطن ونيويورك أن تأثيرها سينعكس سلباً على السوق المالية اللبنانية، وستتسبب بصعوبات اقتصادية كبيرة لا يمكن الالتفاف عليها، وذلك في لحظة يزداد فيها السؤال الداخلي حول قدرة اللبنانيين على الحفاظ على استقرارهم السياسي في بلد منقسم عامودياً منذ 14 فبراير (شباط) 2005، وكادت محكمة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود أن تتسبب بانفجار نزاع أهلي، بين جماعات لبنانية فاضت أدبياتها السياسية والاجتماعية والثقافية بشعارات كانت تؤكد دائماً على تجاوز الماضي، وأن لا رجعة للحرب الأهلية.
لم يكد الجدل الداخلي الحاد والمتوتر حول الحكم في اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل أن يمر دون أضرار جانبية، حتى فجّر تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي اعتبر فيه «أن لا أحد يستطيع اتخاذ قرار في لبنان دون الرجوع إلى إيران»، جدلاً جديداً أكثر حدة داخل الطبقة السياسية، خصوصاً أن خطورة كلام روحاني يأتي في لحظة تشتد فيها الضغوط على إيران، من أجل تغيير سلوكها الإقليمي، والكف عن التدخل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبالنسبة لواشنطن ولعواصم إقليمية، فإن روحاني يقطع الشك باليقين، ويؤكد للمجتمع الدولي أن الجمهورية اللبنانية تخضع للانتداب الإيراني، وهو عكس ما حاول أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كثير من خُطَبه نفيه، عندما كان يُصر على أن إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني، وأن ليس لديها مطامع في لبنان، وتزامن تصريح روحاني في الوقت الذي أقامت فيه الإدارة الأميركية في واشنطن نهار الاثنين الماضي حفل تأبين للجنود الذين قضوا في تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية «المارينز» في لبنان سنة 1983، والتي اتهمت فيها واشنطن جماعة إرهابية لبنانية تابعة لإيران بتنفيذه، وقد قال نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس إن «تفجير المارينز في بيروت كان الشرارة الأولى لانطلاق الحرب ضد الإرهاب»، مشدداً على أن «الإدارة الأميركية تضاعف جهودها لتقويض حزب الله»، مذكّراً بأن «حزب الله هو جماعة إرهابية وكيلة لراعي الإرهاب الأساسي، أي إيران، ولن نسمح لإيران بزعزعة استقرار دول المنطقة». الأخطر في كلام مايكل بنس هو قوله إن بلاده ستنقل المعركة إلى أرض الإرهابيين وحسب شروطها، أي في المكان والزمان والشكل الذي سوف تحدده واشنطن، لحظة اتخاذها قرار التصدي المباشر لمن تتهمهم بزعزعة استقرار المنطقة ودعم الجماعات الإرهابية، ما يمكن تفسيره بأن عهد الاستقرار في بعض الدول قد انتهى، وفي مقدمتهم لبنان الذي على ما يبدو سيتحول إلى مساحة سيستخدمها الكبار في مرحلة تصفية الحسابات المقبلة.
أغلب التحليلات الغربية والإسرائيلية والإقليمية لا تستبعد حدوث خلل في الوضع اللبناني، حيث طبول الحرب تقرع من جنوبه إلى بقاعه، وعلامات التصدع السياسي تلوح من داخل العاصمة بيروت، فيما الضغط الإيراني - الأميركي على لبنان يتفاقم ويوحي بأنهما يستعدان لفتح دفاترهما القديمة، ونبش فواتير اعتقد الطرف الذي تهرب من دفعها أنها أسقطت بفعل الأقدمية، فأعيدت حدود لبنان الجنوبية إلى الواجهة الإيرانية، حيث العدد الهائل من الصواريخ التي تلوح طهران من خلالها بأن قرار الحرب والسلم بيدها حصراً، وفي المقابل حشد أميركي - إسرائيلي غير مسبوق يستخدم لغة انتقامية هدفها الثأر لأحداث مضت، معطيات كفيلة بأخذ لبنان نحو جحيم سيحرق ما تبقى من هيكل الدولة، ويضعه بين فكي كماشة الطموحات الإيرانية ورد الاعتبار الأميركي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روحاني ـ بنس وصندوق البريد اللبناني روحاني ـ بنس وصندوق البريد اللبناني



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca