بانتظار الرد

الدار البيضاء اليوم  -

بانتظار الرد

بقلم : مصطفى فحص

منذ دخول اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في مايو (أيار) 1974 حيز التنفيذ، التزم نظام دمشق بتطبيق بنودها المعلنة والسرية بالكامل، التي نصَّت على ابتعاد العتاد السوري الثقيل مسافة 7 كلم من شرق خط (أ) والإبقاء على السلاح الفردي الذي حدد (بقطعة سلاح آلية لكل ثلاثة جنود). 

ونتيجة لهذا الالتزام الصارم من طرفي النزاع - منذ ذلك الوقت - يشهد الجولان المحتل حالة هدوء واستقرار لا مثيل لها في تاريخ النزاعات العسكرية، والمفارقة أن نظام دمشق المؤسس لجبهة الصمود والتصدي (1977)، الذي تحتل إسرائيل إلى الآن جزءاً من أراضيه، لم يتبنَّ خيار المقاومة المسلحة بوجه الاحتلال على غرار ما قامت به المقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان، أو اتجه إلى خوض حرب استنزاف على غرار الحرب التي خاضتها القاهرة، وكانت أحد أبرز العوامل التي ساعدت الجيش المصري على عبور القناة في حرب 1973، إلا أن النظام السوري الذي تخلى عن فكرة المقاومة، وحصل في المقابل على ضمانات أميركية سوفياتية بالحفاظ على استقرار طويل الأمد في الجولان، سارع إلى تغيير طبيعة الجيش وعقيدته القتالية، وحوَّله من جيش يدافع عن حدوده الوطنية إلى جيش يدافع عن السلطة، وهو الأمر الذي أثار حينها حفيظة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي انتقد بخطاب علني قيام النظام السوري بتغيير تركيبة الجيش، في المقابل لم تلتزم إسرائيل ببنود الاتفاقية، وقامت بعدة اعتداءات في سوريا ولبنان ضد الجيش السوري، فيما كان موقف دمشق المستمر منذ حقبة الأب إلى حقبة الابن الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.

عدوى الاحتفاظ بحق الرد انتقلت إلى طهران التي تتعرض قواتها المنتشرة في سوريا لضربات إسرائيلية متكررة منذ سنة 2012 وإلى اليوم، حيث كشف قائد هيئة الأركان العامة السابق للجيش الإسرائيلي غادي أزنيكوت لصحيفة «نيويورك تايمز»، منذ أسبوع تقريباً، أن القوات الجوية الإسرائيلية ألقت أكثر من 2000 قنبلة على مواقع إيرانية في سوريا خلال سنة 2018، إلا أن قادة النظام الإيراني على عكس السوري الذي يحتفظ بحق الرد فقط، لم يترددوا في تهديد إسرائيل برد قاسٍ ومزلزل، أعاد إلى الذاكرة بيانات المرحوم أحمد سعيد العسكرية على «صوت العرب» أثناء عدوان يونيو (حزيران) 1967 الذي أوهم الشعوب العربية بأن جيوشهم باتت تحاصر تل أبيب، بينما كانت إسرائيل قد احتلت القدس وتوغلت داخل الأراضي السورية واللبنانية والمصرية والأردنية. 

فبعد اعتداء ليلة السبت الفائت أعلن قائد القوات الجوية الإيرانية الجنرال عزيز نصري زادة، أن «الشبان في القوات الجوية مستعدون تماماً، وينتظرون بفارغ الصبر مواجهة النظام الصهيوني ومحوه من على وجه الأرض»، هذا التصريح لا يختلف عن تصريحات أخرى لقادة إيرانيين يتوعدون فيها تل أبيب وواشنطن برد مدمر، ففي 16 من الشهر الحالي قال القائد العام لـ«الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري إنه «على إسرائيل أن تخشى اليوم الذي ستنهال فيه صواريخ إيران الدقيقة فوق رؤوس الإسرائيليين»، كما شهدت سنة 2018 واحداً من أعنف التهديدات الإيرانية لإسرائيل على لسان أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، الذي قال في أحد الاحتفالات: «نحن نقول له إنّه في حال أقدم الكيان الصهيوني على أصغر تحرّك ضد الجمهورية الإسلامية، فإيران ستسوي تل أبيب بالأرض، ولن نمنح نتنياهو فرصة الهرب»، أما قائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري، فقد قال «إن العد العكسي لزوال الكيان الإسرائيلي بدأ». من جهته قال رئيس مكتب العلاقات الشعبية في القوات المسلحة الإيرانية العميد عباس سدهي «إن الكيان إذا ارتكب أي حماقة وهاجم إيران، فعليه أن يعلم أن تسوية تل أبيب وحيفا بالأرض ستكون أمراً حتمياً». أما نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي فقد أكد: «إننا قادرون على إنقاذ الشرق الأوسط من شر أميركا خلال 12 دقيقة»، فيما كان قائد عسكري آخر قد أكد أن إيران تحتاج فقط إلى 7 دقائق و30 ثانية لتدمير إسرائيل. 

حالة الانفصام الإيرانية في الرد على ضربات تل أبيب يوصفها الخبير في الشؤون الإيرانية في جريدة «المستقبل» اللبنانية أسعد حيدر بقوله «إن وزير ظرفي قال إنه لا أحد تكلم عن إزالة إسرائيل، فإذا بجنرال شعر بالحرج من الغارة الإسرائيلية يعلن أن جنوده يريدون إزالة النظام الصهيوني لكنهم يصبرون»، وعليه فإن إيران التي استنسخت بيانات أحمد سعيد، بات انتظار ردها على إسرائيل أشبه بانتظار «فلاديمير» و«استراغون» بطلي مسرحية صمويل بيكيت «بانتظار غودو» الذي لم يعد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بانتظار الرد بانتظار الرد



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca