الأسد.. رأس الهرم المقلوب

الدار البيضاء اليوم  -

الأسد رأس الهرم المقلوب

مصطفى فحص

تواصل إيران معركة الدفاع المستميت عن الأسد، وتحشد إمكانياتها البشرية والمادية لما تعتبره مواجهة وجودية لها في سوريا، عنوانها بقاء بشار الأسد، ولو رمزيا، حاكما على ما تبقى من الدولة السورية. فهي على علم بأن توافقا إقليما ودوليا مستجدا، يضغط على واشنطن لوضع حد للمأساة السورية، يقضي بضرورة التخلص من الأسد، ويتزامن مع تكثيف عمليات التحالف الدولي على تنظيم داعش الإرهابي لوقف تقدمه في سوريا، للحؤول دون تحضره لملء الفراغ الذي ستخلفه انسحابات جيش النظام المفاجئة من أماكن مختلفة من سوريا.

وعلى الرغم من قناعة طهران، بأن الأسد أمام مرحلة صعبة من عمر نظامه، وأن بقاءه بات أمرا مستحيلا، ما زالت مصرة ليس فقط على بقاء النظام كما هو، ورفض المس بهيكليته العسكرية وأدواته الأمنية والسياسية، بل التمسك بشخص بشار الأسد، كرأس هرم للسلطة في سوريا.

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية ضد حكم البعث، تكفل حلفاء البعث بمهمة الدفاع السياسي والعسكري عن النظام، فخاضت موسكو مواجهة دبلوماسية دولية لحمايته في مجلس الأمن، وأمدته بالسلاح الضروري. بينما قامت طهران بالتغطية المادية الكاملة لمجهوده الحربي، وحماية اقتصاده من التهاوي، موكلة جزءا كبيرا من هذه المهمة لحزب الله، الذي يخوض منذ أربع سنوات، ليس فقط حربا عسكرية مفتوحة على الشعب السوري، بل دفاع ضروس عن النظام البعثي، باعتباره ركنا أسياسيا في منظومة محور الممانعة، إضافة إلى تكريس آلته الإعلامية والسياسية والثقافية، لإبراز شخصية الأسد وتقديمها للجمهور كرمز قومي وقائد أساسي في هذا المحور، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه، أو السماح برحيله أو تغييره، ليتجلى حجم تضخيم صورة للأسد، بما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أحد لقاءاته التلفزيونية بأن «الله منا علينا ببشار الأسد».

في المقابل، تميزت موسكو عن طهران في كيفية استخدام أدواتها في معركة الدفاع عن مصالحها في سوريا، وهي منذ اليوم الأول لم تعلن تمسكها النهائي بالأسد أو بالمنظومة المرتبطة فيه، بل طالبت بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وأجهزتها قبل أي تغيير في النظام، بحجة الخوف من انهيار شامل، كما في التجربتين العراقية والليبية. من هذا المنطلق يسهل على موسكو طرح مسألة مستقبل النظام والأسد، على طاولة المفاوضات في لحظة تسوية جدية. فهي تملك أدواتها في مجلس الأمن، التي تمكنها من لعب دور يناسب حجمها ويحمي مصالحها، كذلك حفاظها على شعرة معاوية مع الدول الإقليمية الأساسية، الداعمة للمعارضة السورية.

لم يعد سهلا على إيران التخلي عن الأسد، وفي الوقت نفسه لم يعد يمكنها الدفاع عنه حتى النهاية، كما من الصعب عليها أن تجد من يقبل بعقد صفقة معها في الربع الساعة الأخيرة من عمر النظام، فهي ليست لاعبا وحيدا يملك الحق الحصري في التفاوض على مصير الأسد، فلموسكو كلمتها أيضا، التي تتقاطع مع مصالح تل أبيب أكثر من تقاطعها مع مصالح طهران، فالتباين بين موسكو وطهران حول الحل في سوريا ومصير الأسد، سيزداد كلما زاد الخناق
على النظام، وكلما تقلصت المسافة بين مسلحي المعارضة وقصر المهاجرين.

كما لم يعد قرار المقايضة في سوريا حكرا على واشنطن وحدها، وكذلك إعطاء ضمانات لطهران على طاولة المفاوضات النووية بشأن سوريا، ففي المعادلة السورية هناك لاعبون كثر تجمعهم قناعة مشتركة بأن حقبة كاملة في سوريا شارفت على نهايتها، لن يبقى منها إلا ما يساعد على إعادة الاستقرار ولم الشمل السوري، حيث يصعب إيجاد مكان للأسد في هذه المعادلة، لا في دمشق ولا في أي مدينة على الساحل السوري.

في اللغة اليومية للمدافعين عن النظام البعثي، يحظى الأسد بمقام لا يمكن المساس به، يجب التضحية بكل شيء من أجل بقائه، وفي السياسة، فإن الذين استبسلوا في الدفاع عنه، إنما فعلوا ذلك لعلمهم أنه يمثل رأس الهرم في منظومة أمنية وعسكرية مترابطة ومرتبطة ببعضها بعضا، لا يصح فكفكتها، وأن بقاءه على رأسها أبعد شبح تشظيها وتمزقها، ووجوده هو سبب صمودها حتى الساعة. لكن المعضلة التي يواجهونها بعد التطورات الأخيرة، تتمثل في انقلاب الهرم رأسا على عقب، حيث أخطأوا في تقديرهم في أن تماسك جسد المنظومة مشروط ببقاء رأسها، لذلك فإن هوى ستهوي معه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسد رأس الهرم المقلوب الأسد رأس الهرم المقلوب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca