خيار الدويلة العلوية الذي تجاوزته الأحداث

الدار البيضاء اليوم  -

خيار الدويلة العلوية الذي تجاوزته الأحداث

خيرالله خيرالله

خلاصة الخطاب الأخير لرئيس النظام السوري بشّار الأسد أنّه لا يزال لديه خيار الانكفاء إلى الشاطئ السوري، وأن يقيم دولة ذات امتداد في لبنان عاصمتها دمشق.
هذا يفسّر إلى حدّ كبير التركيز المستمرّ منذ اندلاع الثورة السورية على حمص التي تقف عائقا دون ربط دمشق بالساحل السوري. كذلك، يفسّر التركيز على عرسال وضرورة إزالتها من الوجود نظرا إلى أنّها عقبة بين ربط دويلة “حزب الله” في البقاع اللبناني والمناطق المحيطة بدمشق، مثل القلمون، وصولا إلى حمص، ومنها إلى منطقة الساحل.

هذا الكلام عن الدولة العلوية، أو على الأصح الدويلة العلوية، ذات الامتداد اللبناني، تجاوزه الزمن، كما تجاوزته الأحداث، لا لشيء، سوى لأنّ الشرخ الطائفي والمذهبي في سوريا صار واقعا أليما بعدما عجز النظام عن فهم أنّه انتهى منذ فترة طويلة. لم يستوعب النظام أنّ إيران لن تكون قادرة على إنقاذه، لا عبر خبرائها، ولا عبر ميلشياتها المذهبية العراقية واللبنانية والأفغانية، ولا حتّى عبر صفقات السلاح مع روسيا ولا عبر الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

معروف أنّ خيار الدولة العلوية كان دائما مطروحا لدى الأسد الأب والأسد الابن. الباحث الأميركي جواشوا لانديس، المتزوّج من علوية، والذي عاش طويلا في سوريا يقول أنّ الجيش الذي أنشأه حافظ الأسد، والذي يسيطر عليه الضبّاط العلويون، إنّما أنشئ استعدادا للوصول إلى اللحظة الراهنة. الجيش تحت السيطرة العلويّة لا أكثر ولا أقلّ. كلّ الشعارات المستخدمة عن العروبة والبعث، بشعاراته الفارغة، وتحرير فلسطين ليست سوى غطاء لهذا الواقع.

ليس سرّا ما تحدّث عنه الملك عبدالله الثاني في إحدى مقابلته الصحافية عن الانكفاء العسكري للعلويين في اتجاه الساحل عندما اقترب الجيش الإسرائيلي من دمشق في حرب العام 1973. كانت هناك دائما خطة بديلة لدى النظام الذي أقامه حافظ الأسد الذي سعى دائما إلى اكتساب شرعية على الصعيد السوري والعمل، في الوقت ذاته، على أن يكون الخيار العلوي، خيار حلف الأقلّيات، مطروحا وفي متناول اليد. كان مطلوبا في كلّ وقت المتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم بغية تغطية المشروع الأصلي للنظام، أي المشروع العلوي.

كلّ ما يستطيع أن يفعله بشّار الأسد الآن، هو المساهمة في تفتيت سوريا. في النهاية، ما الذي يمكن أن يفعله بشّار في الساحل السوري حيث لا توجد مدينة كبيرة واحدة ذات أكثرية علويّة؟

لعلّ أخطر ما في الأمر أن الأسد الابن يُستخدم حاليا، منذ حيث يدري أو لا يدري، في الانتهاء من سوريا. سيحاول الإيرانيون إنقاذه. الكلفة بالنسبة إليهم كبيرة ماديا، علما أنّ هذه القدرة المالية لإيران ستزداد في حال رفع العقوبات عنها نتيجة توقيع الاتفاق النووي. لكنّ هذه القدرة تبقى محدودة من الناحية البشرية. عدد الإيرانيين الذين يُقتلون في سوريا قليل جدا. أين مشكلة إيران عندما يُقتل مئات الشبان اللبنانيين أو العراقيين أو الأفغان من أجل تحقيق ما تصبو إليه، أي دولة علوية تدور في فلكها؟ إنّه رهان يستأهل ما تدفعه إيران من مليارات من أجل بقاء سوريا جسرا إلى الداخل اللبناني.

لا يعكس الخطاب الأخير لبشّار الأسد سوى الحال النفسية لرجل معزول عن العالم وعن سوريا نفسها، يرفض الاعتراف بالواقع. يتجاهل إنّه على رأس نظام لا يمتلك أيّ شرعية من أي نوع كان. النظام مرفوض من شعبه أوّلا. هناك أكثرية سنّية في سوريا. امتلك حافظ الأسد ما يكفي من الدهاء للتعاطي مع الموضوع المذهبي بطريقة ذكّية. راهن أوّلا على شقّ السنّة بتفريقه بين سنّة الأرياف وسنّة المدن.

قبل كلّ شيء، لم يتسلّم الأسد الأب رئاسة الجمهورية مباشرة بعد الانقلاب الذي نفّذه في السادس عشر من نوفمبر 1970، عيّن رئيسا مؤقتا يدعى أحمد الخطيب، كان مجرّد أستاذ مدرسة في الريف السوري. انصرف بعد ذلك إلى الصلاة في كلّ يوم جمعة في أحد المساجد السنّية في مناطق سورية مختلفة.

أراد بكلّ بساطة توجيه رسالة فحواها أنّه مسلم وأنّ لا فارق بين السنّة والعلويين. انتظر ثلاثة أشهر كاملة كي يصبح رئيسا للجمهورية. عمل بعد ذلك، على الاستعانة بواجهات من سنّة الأرياف، هو الذي يكره أهل السنّة في المدن وقد أشرف شخصيا على استبعاد كلّ الضباط الكبار الذين ينتمون إلى مدن مثل دمشق وحمص وحماة وحلب. استخدم حكمت الشهابي وعبدالحليم خدام ومصطفى طلاس وشخصيات مثل محمود الزعبي وفاروق الشرع وغير هؤلاء، بصفة كونهم من سنّة الريف أو من مدن صغيرة. فدرعا هي من أكبر الحواضن الريفية السنّية للبعث القديم الذي استعان به حافظ الأسد في مشروعه السلطوي.

حقّق حافظ الأسد نجاحا كبيرا في المحافظة على نظامه بعدما عرف كيف يؤسس لحلف الأقليات المدعوم من سنّة الأرياف. هذا ما لم يحسنه بشّار الأسد الذي اعتقد أن العائلة أهمّ من الطائفة، وأنّ شبكة العلاقات التي أقامتها العائلة، وهي شبكة قائمة على المصالح الاقتصادية التي بات الأقارب يحتكرونها، كافية لحماية النظام بطبعته الجديدة.

كان التصرّف الأحمق في درعا في مارس 2011، الدليل الأوّل على أن بشار أخل بالتوازن الدقيق الذي أقامه والده وعمل على حمايته. هذا التوازن شمل أيضا اللعب على إيران. صحيح أن حافظ الأسد عمل على إقامة علاقة في العمق مع إيران، وهي علاقة ذات طابع مذهبي في العمق، إلّا أنّه عرف كيف يستخدم الورقة الإيرانية لابتزاز العرب الآخرين، على رأسهم قادة الدول الخليجية.

كان هناك توازن يقوم عليه النظام السوري. في أساسه الحلف مع سنّة الريف. لم يكتف بشّار الأسد بضرب هذا التوازن، بل ذهب بعيدا في الاتكال على إيران وعلى ميليشيا “حزب الله” التي صارت جزءا من أمن النظام، خصوصا بعدما ملأت الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري من لبنان في أبريل 2005.

عاش النظام السوري أطول بكثير مما يجب. لم يكن نظاما طبيعيا في أيّ شكل أو مقياس. استفاد حافظ الأسد طويلا من غباء البعثي الآخر صدّام حسين وحماقاته وغياب قدرته على التعاطي مع المعادلات الإقليمية والدولية. كان بين المستفيدين الأساسيين من مغامرة احتلال الكويت قبل ربع قرن.

الآن، لم تبق لدى النظام السوري سوى الورقة الإيرانية التي تراهن حاليا على خيار الدولة العلوية. مثل هذا الخيار يمكن أن يؤسس لحروب جديدة تستمر سنوات طويلة. كذلك يمكن أن يؤسس لتفتيت سوريا أكثر مما هي مفتّتة. لكنّه ليس خيارا قابلا للحياة، لا لشيء، سوى لأن ليس في الإمكان جعل السنّة أقلّية في أي بقعة من بقاع سوريا أو أي منطقة من مناطقها، حتّى لو كان هناك امتداد لبناني لهذه البقعة أو المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيار الدويلة العلوية الذي تجاوزته الأحداث خيار الدويلة العلوية الذي تجاوزته الأحداث



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca